IMLebanon

سقوط التحالف الرباعي

قد يكون من المبكر الحديث عن سقوط التسوية الحكومية المتصلة بالترقيات، لأنّ الأمور تبقى مفتوحة حتى ربع الساعة الأخير، ولكن بمعزل عمّا ستؤول إليه النتيجة النهائية، فإنّ الخلاصة الأساسية لِما جرى انّ التحالف الرباعي الذي ساهم بصياغة المحطات الأساسية منذ العام ٢٠٠٥ سقط وانتهى.

فتح الخروج السوري من لبنان الباب أمام ولادة تفاهم إسلامي-إسلامي برعاية سعودية-إيرانية لإدارة البلد تحت عنوان التحالف الرباعي الذي ضمّ من جهة «حزب الله» و«حركة أمل»، ومن جهة أخرى تيار «المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي».

وفي الوقت الذي دفع الفريق المسيحي المتحالف مع الفريق الثاني ثمن هذا التحالف الذي تمّ تبريره بأنه أفضل الممكن لنقل لبنان من مرحلة الوصاية السورية إلى مرحلة أخرى، استفاد العماد ميشال عون مسيحياً من مواجهته لهذا التحالف التي خاضها تحت عنوان رفض إدارة البلد من دون المسيحيين، قبل أن يعود وينضمّ إلى الفريق الأول.

وإذا تمّ استثناء بعض المحطات القليلة التي حاول فيها «حزب الله» إسقاط التحالف الرباعي ببُعده الإقليمي المتمثّل بالتوازن السني-الشيعي والسعودي-الإيراني من أجل التفرّد بإدارة البلد، وذلك من أحداث ٧ أيار إلى إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري واستطراداً الـ«سين-سين»، فإنّ هذا التحالف نجح في تخريج التفاهمات السلطوية الأساسية بدءاً من انتخابات عامي ٢٠٠٥ و٢٠٠٩ وصولاً إلى التمديد لمجلس النواب الحالي لمرتين متتاليتين، وما بينهما أربع حكومات وطاولات حوار.

ولكنّ التحالف الرباعي تعرّض لانتكاسات نتيجة الظروف وتحدياتها وما أدّت إليه من خلط جزئي للأوراق، ومن أبرز تلك الانتكاسات الآتي:

أولاً، استبعاد النائب وليد جنبلاط عن الحوار الثنائي بين «المستقبل» و»حزب الله» الذي يرعاه الرئيس نبيه بري يعني تحوُّل التحالف الرباعي إلى ثلاثي بل ثنائي، فيما جنبلاط كان شريكاً في التحالف الرباعي بفِعل شراكته مع «المستقبل» والظروف الموضوعية بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري التي أفسحت له المجال للَعب دور قيادي في تلك المرحلة. ولكنّ ابتعاد جنبلاط عن «المستقبل» أفقده دوره المحوري الداخلي، كما أفقده علاقته التاريخية مع السعودية.

ثانياً، الرئيس بري سجّل في السنتين المنصرمتين تمايزات غير مسبوقة مع «حزب الله». لم يشارك في القتال في سوريا، ولم يدافع عن هذه الخطوة. أبدى حرصه على العلاقة مع السعودية في اللحظة التي شَنّ عليها الحزب حملة عنيفة جداً.

أعلن في مناسبات عدة تمسّكه باتفاق الطائف رداً على مشاريع وأفكار ترمي إلى إطاحة هذا الاتفاق. شارك في كل جلسات الانتخابات الرئاسية، ولم يجار الحزب بدعمه للعماد ميشال عون.

رفض تعطيل العمل الحكومي أسوة بالثنائي «حزب الله»-عون. ويبقى انّ رعايته للحوار بين «المستقبل» والحزب تشكّل بحد ذاتها إشارة بالتمايز وابتعاده عن الاصطفاف السياسي.

ثالثاً، رفض العماد عون للتمديد النيابي الأول والثاني شكّل خروجاً عن إرادة التفاهم الإسلامي-الإسلامي، على رغم انّ اعتراضه لم ينجح بتعطيل التمديد وفرض الانتخابات.

رابعاً، رفض الدكتور سمير جعجع المشاركة في الحكومة والحوار شكّل خروجاً عن إرادة التحالف نفسه، على رغم انّ اعتراضه لم ينجح بالحؤول دون تأليف الحكومة والتئام الحوار.

وفي موازاة العوامل المشار إليها، جاءت «تسوية الترقيات» لتزيد من انتكاسات التحالف الرباعي والتي مردّها إلى الآتي:

١) التطورات التي استجدت في المنطقة مع الدخول الروسي إلى سوريا فرضت تجميداً للوضع وتعليقاً لأيّ تسوية بانتظار تبيان معالم المرحلة.

٢) بروز تناقض حاد للمرة الأولى داخل «المستقبل» بين فريق داعم للتسوية وآخر رافض لها، الأمر الذي أتاح لحلفاء التيار التنصّل من أي التزام حياله.

٣) الرئيس ميشال سليمان الذي انتخب نتيجة التفاهم ضمن التحالف الرباعي، ولم يمدد له بسبب الخلاف ضمن التفاهم نفسه، وجد انّ أولويته التعبير عن استقلاليته والالتصاق بالمؤسسة العسكرية.

٤) رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل وجد في الترقيات مناسبة للقول إنه يتقاطع مع «المستقبل» وغيره «على القِطعَة» في تجسيد للاستقلالية التي يعمل عليها، وما شجّع على هذا الموقف طريقة تعاطي «المستقبل» الذي يتخذ قراره ويريد من حلفائه مجاراته.

وإنّ دلّ كل ما تقدم على شيء، فعلى ثلاث خلاصات:

الخلاصة الأولى انّ التطورات المتلاحقة منذ العام ٢٠٠٥ أدت إلى خلط أوراق كثيرة لم يعد من السهولة معها تمرير الأمور وتقطيعها بمجرد تولّد رغبة لدى فريقين بذلك.

والخلاصة الثانية انّ الرفض والتمايز والتحفّظ ضروري في رسالة إلى الشركاء في الضفتين بأنّ الشراكة تكون في صناعة القرار ومن ثم اتخاذه، وانه خلاف ذلك ستكون التحالفات مهددة بالانفراط. والخلاصة الثالثة انّ تقاطع مجموعة قوى حزبية ومستقلة قادرة على إسقاط تفاهمات داخلية وعابرة للحدود.

وتأسيساً على ما تقدّم، هل يمكن القول إنّ التحالف الرباعي سقط إلى غير رجعة، أم انّ ظروفاً أخرى ممكن أن تعيد انبعاثه؟ وهل تمّ استبدال الرباعي بثنائي، وما فاعليته في حال تكتل قوى عدة ضد ما يمكن أن يسعى إلى تمريره؟

قد يكون الانقسام بخطوطه العريضة ما زال بين 8 و 14 آذار، ولكنّ التحالفات في الجانبين اهتزّت إلى حدود التمايز في جوانب كثيرة لم تصِل بعد إلى حد الانفصال، وقد لا تصِل، إنما الأكيد أنّ حسابات معظم القوى تبَدّلت، ولم تعد فكرة التحالف على القطعة مسألة مستبعدة.