هل يُعقـل أن يكون لدى مكوّن سياسي يدّعي الحرص على سلامة الجمهورية هذا الكمْ من الحقد والكراهية للمؤسسات الحكومية والتنكُّرْ للقوانين وللأعراف الدولية؟ إنّ ذلك الأمر وعلى ما يبدو لا يحدُث بالصدفة ولا على الهامش بل يجري التحضير له منذ فترات وقد إتسم هذا التحضير في التعدّي على الديمقراطية من خلال قانون للانتخابات جرتْ على أساسه الانتخابات النيابية لدورتين متتاليتين أفضتا لنشأة مجلس نيابي أقل ما يُقال عنه أنه «غير مجدي لناحية التشريع، ومكوّن من مجموعات متناحرة لا يجمعها إلّا الحقد وضرب مصالح الوطن وتجيير السيادة، إضافةً إلى أنه مجلس لا يُعرف أصول التشريع ولا يهتم بشؤون مواطنيه، وهو فاقد للشرعية التمثيلية».
بدأتْ الإحتجاجات التي لا لزوم لها وفي مختلف المناطق ومن دون أيْ مسوِّغ قانوني – دستوري وقد تمّ توجيه الناس المُضلَّلين بطريقة ممنهجة لإحلال الفكر الأرعن بحلّته الفوضوية محـل التوجهات الديمقراطية التي يُناضل من أجلها شعب لبنان العظيم بمعيّة العهد الجديد. هنا ومن هذا المنطلق نطرح كمركز أبحاث PEAC سؤالاً عن الغاية وكيفية تحريك هؤلاء الشباب، ومن الذي طلب منهم إفتعال هذه المشاكل التي تتناقض ومفهوم السلم الأهلي المبني على التوازن وإحترام رأي الآخر؟ في الأدبيات السياسية – الديمقراطية النظام السياسي هو مجموعة من الأحكام والقيم والمعتقدات الديمقراطية والتقاليد العريقة التي يشترك فيها المواطنون اللبنانيّون الصالحون الذين ينتمون إلى المجتمع والغاية من هذا الإنتماء المحافظة على السلم وصيغة العيش المشترك ضمن إطار الديمقرطية التي تحفظ للجميع حرية المعتقد والتحرك شرط ألاّ يتعارضان مع متطلبات المحافظة على السلم والتوازن الوطني.
في هذه المرحلة وتزامناً مع تكليف القاضي نوّاف سلام تشكيل حكومة العهد الأولى لاحظنا أنّ مجموعة لبنانية تلعب دوراً مهماً في إثارة الفتن والمشاكل في مختلف المجالات أكان على مستوى مرحلة تعقيد عملية التشكيل لناحية فرض وزرائها أو المُطالبة بحقائب معينة أو لناحية إثارة المشاكل في الشارع وتأجيج الفوضى من خلال المواكب التي جابتْ مختلف المناطق اللبنانية بطريقة فوضوية وغوغائية وغير قانونية. ونتيجةً لهذه الفوضى المستهجنة زادت فاعلية وتأثيرها الواسع على الوضع العام حتى أصبح الأمر أشدّ تعقيداً على صعيد التشكيلة الحكومية.
إنّ غسيل الدماغ المُمارس من قبل مرجعية لبنانية طائفية مذهبية تحتكر وتُصادر القرار داخل بيئتها قد اشتغل بقوة بهدف حرف توجهات الشعب اللبناني عن فكرة دعم العهد وحكومته الأولى وعمدوا إلى استبدالها بمفاهيم وعقائد ظرفية مزعومة تصب كلها في صالح من يُصادرون القرار في هذه الطائفة الكريمة، ممّا يُظهر حجم النفاق والكذب الذي يقف وراء امبراطورية المسؤولين القادرين مرحلياً على ممارسة التعطيل وإشعال الفوضى عن طريق الترويج لأخبار كاذبة ومُضلِّلَةْ ونشر دعايات سياسية لا أساس لها من الصحة وهي فعلياً مجرّد إفترءات تجعل هذا الرأي العام المُضلَّلْ على إستعداد مبرم لتصديق أي يحصل.
موضوع العهد وتشكيل الحكومة هو الموضوع المُلِّح والمطروح للنقاش في مراكز الأبحاث وعواصم القرار لأنه على ما يبدو أُسيْء فهمه في ظل هيمنة هذه المجموعة التي تُهيمن على المسرح السياسي اللبناني والتي أوصلتنا إلى العديد من المهالك. وفي هذا الإطار تبقى المرجعيات الفكرية والأكاديمية وأصحاب الإختصاص الملاذ الأول للخروج من هذه الفوضى. علماً أنّ الشارع ليس مكاناً آمناً للتعبير عن الرأي السياسي في هذه المرحلة ولولا حكمة الشعب وجبروته وتضحياته لكانتْ حصلتْ مجازر لا تُحمد عقباها.
الظاهـر أنّ هذا المكوّن السياسي يسعى جاهداً إلى تطويع الفوضى في وجه العهد الجديد وحكومته المنشودة ضمن نهج منظم مدروس في ثياب الحمل الوديع، وهذه الفوضى ستؤثر سلباً على واقع العهد الجديد وعلى عملية تشكيل الحكومة. لا نقول هذا الكلام لمجرد التوصيف بل هناك أدلّة لا بل وقائع يسهل توصيفها علماً أنّ هذا المكوِّن يمتلك البيئة المحضّرة سلفاً وكل الأدوات والكوادر والخطط لتفعل ما يُطلب منها وهذا ما يقومون به منذ أيام. استغلّوا عملية تأخير قوات العدو الإسرائيلي وبرّروا أفعالهم وسيّسوا الأمر، وهذا يعني فعلياً وبشكل بسيط عرقلة عملية تشكيل الحكومة وإحداث تحوّر حقيقي في سبل الوصول إلى الغاية السياسية – الأمنية – الإجتماعية، وهذا يعني أنه لم يعُدْ بمقدور لا رئيس الجمهورية ولا الرئيس المكلف تشكيل الحكومة ضمن شروط الديمقراطية – لدستورية – الشرعية إلّا من خلال طرق ملتوية تُطالب بإشراك هذا المكوّن في الحكومة من دون وجه حق عبر فرض هيمنته على حقائب وزارية يُصادرها لخاصته.
كفى تلاعبا في مصير الوطن ومؤسساته الشرعية، وهذا التلاعب الحاصل هو بمثابة الخيانة الوطنية التي تتضمن محذورات متنوّعة منها ما يتعلق بقبح الخيانة المرتكبة من قبل هذه المرجعية التي تحتكر التمثيل النيابي، ومنها ما يُعتبر خيانة وطنية وهي نكث للنظام الداخلي للمجلس النيابي وللدستور اللبناني ونكث القسم التي أقسم بها هؤلاء المسؤولين أمام من إنتخبوهم لتمثيلهم في الندوة النيابية.
كفى تلاعبا في مصير الوطن ومؤسساته الشرعية، ما زلنا نعوّل على الشرفاء وعلى حكمة كل من رئيس الجمهورية وفريق عمله وعلى الرئيس المُكلف وعلى المجتمعين العربي والدولي ولن نيأس ولن نستسلم ولن ندع أي كان أن يتلاعب بمصيرنا وبأمننا وقيم العدالة التي تربّينا عليها وإننا مصمّمون على إنجاح مسيرة العهد وحكومته. لعلّ الشرفاء هم من سيعلمون كل المتطاولين على الأمن والدولة معنى الحرية – المُشاركة الصادقة – السيادة، فحذار اللعب بمصير العهد وإضعافه.
* كاتب وباحث سياسي