IMLebanon

الحكومة الاستقلالية الأولى وعدت بإصلاح قانون الانتخاب والقضاء والإدارة الرسمية والمحلية والإحصاء العام.. و«ع الوعد يا كمون» منذ 79 عاماً (1/2)

 

 

 

لقد كان الوعد بالإصلاح الشامل في لبنان منذ أول حكومة استقلالية التي حدّد بيانها بنودا إصلاحية هامة، لا تزال على 79 عاما مطلبا وهمّا لبنانيا أساسيا، وفي مقدم هذه الهموم والمطالب كان: إصلاح قانون الانتخاب، الإصلاح الإداري، معالجة ظاهرة الطائفية والقضاء على مساوئها، تنظيم الإدارات الرسمية والمحلية وغيرها من الأمور الهامة التي ما تزال مطالب أساسية لدى اللبنانيين.

لقد حدّد بيان الحكومة الاستقلالية الأولى برئاسة رياض الصلح في 25 أيلول 1943، ان في قانون الانتخاب عيوبا كثيرة ولا بد من علاجها فقال: «وترى الحكومة أن في قانون الانتخاب الحالي عيوباً لم تخفِ آثارها على أحد وكانت سبب شكاوى عديدة عادلة فهي لذلك ستتقدم قريباً من مجلسكم الكريم بتعديل قانون الانتخاب تعديلاً يضمن أن يأتي التمثيل الشعبي أصح وأكثر انطباقاً على رغبة اللبنانيين. وهي تعتقد أن في إصلاح هذا القانون سبيلاً لكفالة حقوق جميع أبناء الوطن دون تمييز بينهم». لكن هذا الوعد بقي وعدا وحبرا على الورق، لا بل أنتج العهد الاستقلالي الأول في 25 أيار 1947 انتخابا ت ذاع صيتها في التزوير.

معالجة الطائفية

الحكومة الاستقلالية الأولى وعدت أيضا بمعالجة الطائفية التي تمنع التقدم الوطني فقالت في بيانها: «ومن أسس الإصلاح التي تقتضيها مصلحة لبنان العليا معالجة الطائفية والقضاء على مساوئها فإن هذه القاعدة تقيّد التقدّم الوطني من جهة وتشوّه سمعة لبنان من جهة أخرى، فضلاً عن انها تسمم روح العلاقات بين الجماعات الروحية المتعددة التي يتألف منها الشعب اللبناني. وقد شهدنا كيف أن الطائفية كانت في معظم الأحيان أداة لكفالة المنافع الخاصة كما كانت أداة لإيهان الحياة الوطنية في لبنان إيهاناً يستفيد منه الأغيار. ونحن واثقون أنه متى غمر الشعب الشعور الوطني الذي يترعرع في ظل الاستقلال ونظام الحكم الشعبي يقبل بطمأنينة على إلغاء النظام الطائفي المضعّف للوطن».

أضاف البيان: «إن الساعة التي يمكن فيها إلغاء الطائفية هي ساعة يقظة وطنية شاملة مباركة في تاريخ لبنان. وسنسعى لكي تكون هذه الساعة قريبة بإذن الله. ومن الطبيعي أن تحقيق ذلك يحتاج إلى تمهيد وإعداد في مختلف النواحي، وسنعمل جميعاً بالتعاون تمهيداً وإعداداً حتى لا تبقى نفس إلا تطمئن كل الاطمئنان إلى تحقيق هذا الإصلاح القومي الخطير.

وما يقال في القاعدة الطائفية يقال مثله في القاعدة الاقليمية التي إذا اشتدّت تجعل من الوطن الواحد أوطاناً متعددة».

ومن الأمور الإصلاحية التي وعدت بها الحكومة الاستقلالية الأولى إجراء إحصاء عام من أجل تنمية حقيقية، فجاء في هذا البيان: «ومن الأمور التي يجب العناية بها لضمان تمثيل شعبي صحيح تمام الصحة إجراء إحصاء عام شامل تشرف عليه هيئة تجمع إلى الكفاءة، النزاهة والتجرّد. وسنبادر إلى هذا العمل قريباً أيضاً».

إصلاح القضاء والإدارة

كما وعدت الحكومة الاستقلالية الأولى بإصلاح القضاء والإدارة فجاء في هذا المجال: «إن الحكومة تريد أن يشعر بنعمة الاستقلال وفضائله كل فرد من اللبنانيين في كل مرافق الحياة فيلمس مميّزاته في حسن الإدارة واستقامة العمل وشيوع المساواة وازدهار الاقتصاد الوطني، ومن أجل ذلك ستعمد في الإدارة إلى إدخال إصلاحات جمّة أولها توسيع صلاحيات الحكام الإداريين، محافظين وقائمقامين، بحيث يصبح قضاء مصالح الناس سريعاً قليل الكلفة».

أما على مستوى الإصلاح الإداري فقالت أول حكومة استقلالية: «وتريد الحكومة من موظفيها كافة أن يقدروا تبعاتهم في تنفيذ هذه السياسة الجديدة فإننا سنتقاضاهم – بالحزم الكامل – النزاهة والنشاط وصدق الخدمة وانتظام العمل وإحسان معاملة الجمهور، ونحن لقاء ذلك لن نألو جهداً في تحسين حالة الموظفين. ونحن نعرف ما يعانون في هذه الأزمة الشديدة ونشعر معهم ونعطف عليهم وعلى المتقاعدين كل العطف; عطفاً نعرف أنهم يرجون أن يتحول تحسيناً مادياً، عسى أن تمكنّا الظروف من هذا التحويل. وقد قررنا أن نموّنهم من القمح المخصص للتموين العائلي على أن يحسم الثمن تقسيطاً من مرتباتهم. وسنعمل على إصلاح الملاك بما يؤمن العدل والمستقبل للموظف ويكفل للكفاءات حقوقها».

وفي مجال القضاء والعدالة أكدت تلك الحكومة انه «ومن أهم ما تعتزم الحكومة تحقيقه تنظيم القضاء اللبناني تنظيماً نهائياً يتفق مع مقتضيات الاستقلال الذي يتمتع به لبنان. وإذا كان العدل هو أساس الملك فهو كذلك دعامة أساسية من دعائم الاستقلال الصحيح.

فالحكومة ترى لزاماً عليها أن يؤمّن التنظيم المقبل استقلال القضاء والقضاة على اختلاف درجاتهم ومراتبهم ليمارسوا واجباتهم المقدسة بروح العدل والتجرّد والنزاهة والطمأنينة التامة. وستعيد النظر في ملاك القضاة اللبنانيين فترفع مستواهم إلى درجة يؤمن معها الاستقلال المادي الذي هو أساس الطمأنينة والاستقلال الأدبي وسنؤمن توزيع العدالة في شتى أنحاء الجمهورية بصورة تتفق مع رغبات وحاجات الأهلين ومنها تأمين سرعة الفصل في قضاياهم. وسنضمن لقضاة الملحقات ملاكاً يرفع مستواهم ويحول دون هجرة العناصر الصالحة منهم نحو العاصمة ومحاكمها.

هذه هي المبادئ الأساسية التي سيبنى عليها التنظيم القضائي الجديد. وسنتخذ هذه المبادئ شكل مشاريع قوانين تعرضها الحكومة على مجلسكم الكريم في دورته العادية المقبلة».

محاربة وحش الغلاء والاحتكار

كما وعدت أول حكومة استقلالية: «ومن الأمور التي ستبادر الحكومة إلى معالجتها بشدّة وحزم، الغلاء. إنها ستدرس الأسباب فتعرف الحقيقي من المصطنع فتعالج الأول بالوسائل الممكنة وتحارب الثاني بالضرب على أيدي المستغلين وتفرض رقابة صارمة على التجارة لتمنع الاستغلال والاحتكار، ونحن في هذا الموضوع نفضّل أن نفعل أكثر مما نقول. وسنعمل بالاشتراك مع الحكومة السورية للسيطرة على الأسعار نظراً لتماسك العلاقة الاقتصادية بين البلدين».

كما وعدت الحكومة بأنها «ستولي شؤون المواصلات ما تستحقه من اهتمام، فتسعى لتأمين وسائل التنقل والنقل الكافية ولا سيما السيارات ولوازمها آملة أن تلقى من قبل الحلفاء التسهيلات اللازمة بهذا الشأن كما أنها ستعمل على إصلاح شبكات الطرق وزيادتها في جميع المناطق».

ورأت الحكومة الاستقلالية الأولى: «أن النظام المالي يحتاج إلى إصلاح يكفل لفئات المكلفين المختلفة العدل والمساواة. وهي ستدرس أنواع الضرائب الموجودة وطرق الإصلاح التي تلائمنا. لتأخذ بأفضلها وتجعل الضرائب على أساسها».

«ع الوعد يا كمون»

ماذا تحقق من كل الوعود التي قُدّمت للبنانيين في 25 أيلول 1943؟

في قانون الانتخاب كان كل قانون أقرّ أسوأ، كما ان العهدين الاستقلالين الأولين قدّما في دورتي 1947 و1957 أكثر الانتخابات في تاريخ لبنان تشويها وتزويرا لإرادة الناخبين.

أما في مجال البلديات والمجالس الاختيارية فان لبنان لم يعرف هذه الانتخابات إلا في العام 1952 التي انقطع عنها حتى العام 1963 وجمّدت التجربة حتى العام 1998. فماذا في كل هذه التفاصيل؟ (هذا ما لنا عودة إليه في حلقة ثانية).