IMLebanon

الطلقة الأولى لمَن: النظام أم معارضوه؟

لن تجدي الدعوات الى وقف للنار أو الى «هدنة رمضان» في سوريا كما تطمح أطراف إقليمية ودولية في خطوة لمحاكاة الجوانب الإنسانية ممّا يجري هناك. فالتحضيرات على جانبَي الصراع قطعت أشواطاً بعيدة ويبدو أنّ الطرفين في سباق الى مَن يطلق الطلقة الأولى لتغيير موازين القوى في أكثر من موقع استراتيجي. فما هي مظاهر الإستعدادات ودوافعها.

يستعدّ طرفا الصراع في سوريا، النظامُ ومناهضوه ومِن خلفهما القوى الكبرى التي تدعمهما للقيام بعمليات عسكرية بهدف تعديل خريطة المواقف والمواقع على قاب قوسين أو أدنى من السعي الدولي الى مبادرةٍ ما تكسر الحلقة المفرَغة الدموية التي تشهدها سوريا.

فالطرفان يناقشان عروضاً إقليمية ودولية متعدِّدة وغير منسَقة قادت الى حرب دبلوماسية شعواء تزامناً مع التحضيرات العسكرية لملاقاة أيّ معادلة سياسية قابلة للتنفيذ تحاكي المرحلة المقبلة في مرحلة إختلّت فيها التوازنات بشكلٍ كبير على عكس ما كانت عليه عشية «جنيف 1» و«جنيف 2».

فجميع مَن راقبوا تلك المرحلة اكتشفوا أنّ التوازن كان مفقوداً وكان النظام يحاكي المعارضين ورعاتهم الإقليميين والدوليين بلغة لن يستطيع أن يكرّرَها اليوم. ويقول مرجع دبلوماسي إنه لا يمكن أن ينسى العبارات التي توجّه بها وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى نظيره الأميركي جون كيري في أولى جلسات «جنيف 1» ما أوحى يومها بضرورة محاسبة كيري أمام إدارته جراء قبوله بما توجّه به اليه المعلم بشكلٍ مهينٍ وقاسٍ، بلكنة إنكليزية أميركية يتقنها المعلم بشكلٍ مميَّز أكثر من غيره عبّر فيها عن عنجهية سورية اعتقد البعض معها أنّه جاء ليفرض شروطه على المجتمع الدولي غير مبال بحجم المعارضة الدولية والمحلية.

بالتأكيد لم تؤدِ لهجة المعلم يومها الى أكثر من انتصار دبلوماسي سوري ترجمه فشلُ المؤتمر في رسم خريطة الطريق الى المرحلة الإنتقالية بمجرد قيام خلاف اميركي – روسي حول تفسير مقتضيات المرحلة ودور الرئيس الأسد فيها، بين قائلٍ إنه هو مَن يرعى هذه المرحلة وآخر يقول بعدم وجود أيّ دور له في مستقبل البلاد.

على هذه الخلفيات يرى مرجع دبلوماسي أنّ ما هو مطروح اليوم تجاوز المعادلة السلبية التي تخدم الرئيس الأسد فالإنهيارات التي أصابت الجيش في أبرز مواقعه وقواعده العسكرية والمخاوف على الشريط الساحلي بعد سقوط إدلب وجسر الشغور تزامناً مع سقوط قواعد له في الجنوب، بدّلت النظرة الى حجم قواه فزاد التشكيك حتى من حلفائه بقدرته على الصمود وعاد الحديث في الدوائر الدبلوماسية الكبرى الى البحث في مصيره.

ويستند المرجع نفسه في نظريَّته هذه الى المداولات الجارية على خط موسكو – واشنطن وفي كواليس المفاوضات الإيرانية – الأميركية عبر مجموعة الـ (5 + 1) على أعتاب المهلة المحدَّدة بالوصول الى اتفاق في 30 حزيران الجاري حول الملف النووي مع مراعاة الهواجس العربية والخليجية تحديداً مِن تعاظم الدور الإيراني في سوريا والعراق كما في اليمن، والتي تعهّد الأميركيون باحترامها في اتفاقات مكتوبة وُقِّعت في القمّة الخليجية – الأميركية في كامب ديفيد.

وعلى هذه الأسس يبدو التبدّل في الموقف الأميركي من خلال وضع إيران و«داعش» في سلة واحدة على لائحة مَن يهدّد الأمنَ القومي الأميركي والسلمَ العالمي بشهادة كلٍّ من وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين وقائد القوات الأميركية في المنطقة الوسطى أمام لجنة القوات المسلَّحة في الكونغرس الأميركي المنعقدة منذ أيام لإعطاء الرئيس باراك أوباما تفويضاً جديداً للتدخل ضدّ داعش خارج الأراضي العراقية باعتبار أنّ ما يجري في العراق جاء تلبية لطلب الحكومة العراقية الشرعية في وقتٍ تخلو فيه الساحة السورية من قوة شرعية تعترف بها الولايات المتحدة.

وعلى وقع هذه القراءات السلبية التي تُنذر بالأسوأ في مقبل الأيام، تستعدّ المعارضة لإنهاء البؤر الباقية للنظام في الجنوب السوري للتفرّغ للعاصمة بعد تشكيل «جيش حرمون» كثمرة للتفاهم التركي – القطري – السعودي والحلف الدولي الذي أنتج «جيش الفتح» شمالاً.

في وقت يستعدّ فيه النظام الى تجميع قواه المحلية وما تلقاه من العراق وإيران لإستعادة ما يمكن استعادته في الشمال السوري تحصيناً لأمن الساحل بقوة نيران صاروخية ايرانية ناهزت 60 الف صاروخ وقد قطعت الإستعدادات شوطاً بعيداً في تشكيل قوات محلية من ابناء الساحل السوري فاقت 15 الف مقاتل يستعدون للإنتشار على أطراف محافظة اللاذقية والخط الساحلي على الحدود السورية – التركية.

وأمام هذه الوقائع التي لا يرقى إليها شكّ بعدما تقاطعت التقارير حول حجمها وصحتها، هناك مَن يفكر بـ«هدنة رمضان» قبل دخول الشهر الفضيل ايامه الأولى. وهو أمر مستحيل ما لم يطرأ أيّ حدث جلل يقلب الموازين على رغم أنه باعتراف العارفين مجرد ضرب من الخيال.