IMLebanon

التأزُّم الآتي: العقوبات الأميركية ضد حزب الله سائرة إلى الحدّ الأقصى

    لن يكون بمقدور الحكومة مواجهة حجم الضغوط ممّا يهدّد بأزمة قد تذهب بها

    معركة جرود عرسال كشفت مدى تطويع القوى السياسية وتسليم القرار اللبناني بالكامل للحزب تماهياً مع الأنموذج الإيراني

السؤال الذي بات يطرح نفسه بقوة اليوم يدور حول الثمن الذي سيدفعه لبنان بعد سقوطه شبه الكلي بيد «حزب الله» وإطباقه على الحياة السياسية في البلاد. فمعركة عرسال شكلت نموذجاً إضافياً على حجم تغلغل الحزب في مفاصل الدولة وسطوته على مختلف المؤسسات سواء السياسية أو الأمنية أو القضائية من جهة، وحجم إستقالة الدولة إزاء لعب دورها الطبيعي، وحجم عجز القوى السياسية أو خضوعها أو تطويعها، بما أدى إلى مستوى غير مسبوق من انكشاف لبنان عربياً ودولياً. وهو انكشاف لا ينم أداء السلطة السياسية عن أنها تعي مخاطره وتداعياته. فتسليم القرار السياسي لـ«حزب الله» بدأ يوم تمَّ السير بالتسوية السياسية التي آلت إلى وصول مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية، ولو أن هذه التسوية أفضت إلى وصول زعيم «تيار المستقبل» إلى الرئاسة الثالثة، فهي شكلت، في رأي مناهضين لها، إيداناً بالتسليم تحت عنوان «الواقعية السياسية» ومنع إنهيار المؤسسات والدولة!.

فمقولة أن إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المؤسسات هو بحد ذاته نوع من أنواع المواجهة لمشروع الحزب الرامي للوصول إلى فراغ تام تمهيداً لطرح مؤتمر تأسيسي يطيح بمرتكزات «إتفاق الطائف» باتت مقولة تحتاج إلى تدقيق، بعدما أصبحت الكلمة الفصل في كل استحقاق صغيراً كان أم كبيراً تعود إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي يجسد بموقعه على مستوى الداخل اللبناني موقع «مرشد الجمهورية» تماهياً مع موقع المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية الإيرانية. وهو تجسيد لا يقتصر على هذا الموقع بل يتعداه إلى استنساخ النموذج الإيراني بتركيبته المؤسساتية، وهدف ليس صعباً الوصل إليه، إذا تواصل سقوط لبنان في فلك الوصاية الإيرانية من خلال الذراع الأهم لطهران و»درتها» في لبنان والمنطقة.

ففي نهاية المطاف، حصلت التسوية السياسية بشروط «حزب الله»، ومعها تشكيل الحكومة والأهم قانون الانتخابات النيابية، الذي يمطح من خلاله إلى الاستئثار بالغالبية البرلمانية، بما يُمكِّنه من فرض التشريعات التي يريدهاـ وفي مقدمها تشريع سلاحه كقوة رديفة للجيش على غرار الحشد الشعبي العراقي الذي نجحت إيران في تشريعه، وهو في حقيقة الأمر محاولة ترسيخ نموذج التعايش الجيش النظامي والميليشيا المشرعة، في عملية استنساخ لنموذج «الحرس الثوري الإيراني» والجيش النظامي.

الخطورة التي كشفتها معركة جرود عرسال تكمن في حجم الغطاء العلني والضمني الرسمي والسياسي في آن معا، حتى أن الأصوات المعترضة كانت خافتة. وما سجلته «كتلة المستقبل» النيابية من حالة إعتراضية تهدف إلى عدم إضفاء شرعية على عملية «جرود عرسال»، نسفتها مواقف رئيس الحكومة الأخيرة التي غطى بها معركة «حزب الله»، الأمر الذي يضع موقف «كتلة المستقبل» في إطار سياسة الحد من الأضرار في لعبة توزيع الأدوار لإحتواء التداعيات السياسية والشعبية في الشارع السني، على الرغم من القراءة السياسية التي تعتبر أن رئيس الحكومة نجح في الحد من أضرار المعركة عبر الضمانات التي حصل عليها بحماية الجيش لعرسال البلدة ومخيمات النازحين وتحييدها عن المعركة، وهو أكثر ما كان في إمكانه القيام به في ظل تعقيدات الوضع السياسي.

على أن تعقيدات الوضع اللبناني ذاهبة إلى مستوى أعلى من التأزم في المرحلة المقبلة، في ظل قرار أميركي ضد «حزب الله» عبّر عنه بوضوح الرئيس الأميركي خلال لقائه رئيس الحكومة اللبناني الذي اعتبره أنه «يشكل تهديداً للدولة اللبنانية، وللشعب اللبناني وللمنطقة برمته». فعقوبات الكونغرس ضد «حزب الله» ستلقي بظلالها على لبنان وإقتصاده ومصارفه وقدراته المالية بما يفوق بأضعاف ما سبقها من عقوبات، مع إدارة صارمة ومصممة على الذهاب بالعقوبات إلى حدها الأقصى ليس بهدف تقليم أظافر «حزب الله» فحسب، إنما أيضاً بهدف «إعادة تصويب البوصلة السياسية في لبنان»، بعد التسليم التي تظهره قيادات لبنانية بدءاً من قيادات مسيحية منخرطة في «تحالف الآقليات» تنظر إلى «حزب الله» كضمانة عسكرية وأمنية لها موازية لدور ومسؤولية القوى العسكرية والأمنية النظامية المفترض أن تكون وحدها الضامن للأمن والسيادة، مروراً بقيادات درزية خائفة على مصيرها، ووصولاً إلى قيادات سنية هادنت إلى حدود «الالتصاق» وتشكليها غطاءً للحزب، بمعزل عن الأسباب التي آلت به للوصول إلى هذا الدرك السياسي.

وفي رأي مطلعين أن عملية «إعادة التصويب السياسي» لا تتحقق من دون شعور المجتمع اللبناني بشرائحه المتنوعة بعبء الثمن الذي يدفعونه نتيجة الغطاء الذي شكلته وتشكلته قياداتها للحزب الذي بمقدوره بفعل اقتصاده الموازي أن يخفف من أعباء العقوبات عليه، على عكس بقية الشرائح السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي هي خارج منظومة الاقتصاد الموازي وستدفع بطريقة مباشرة وغير مباشرة أثماناً كبرى.

فالضغط الأميركي الذي سيترافق مع ضغط دولي من جهة وضغط عربي وتحديداً خليجي من جهة أخرى بالتزامن مع ضغط «حزب الله» على المؤسسات بدأ يقلق جهات سياسية عدة في البلاد من زاوية أن الحكومة لن تكون في وضع يمكّنها معه من مواجهة حجم الضغوط المتنوعة، بما سيدفع إلى أزمة داخلية لا يستبعد معها الوصول إلى انسداد الأفق السياسي بما يؤدي إلى استقالة الحكومة التي يعتقد البعض أنها قد تكون السبيل الأفضل للخروج في ظل المأزق المنتظر، حتى لو عنى ذلك هروباً من تَحمّل المسؤولية، لكنه قد يكون أقل الأثمان الممكنة.