IMLebanon

المبادرة الفرنسية على “مشنـقة” رزمة العقوبات الثانية

 

أنهى رئيس الجمهورية ميشال عون استشاراته مع الكتل النيابية، في خطوة “تعويضية” عن “الحبس” الذي يسجن رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب نفسه داخله، تاركاً مفتاحه بيد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي كسر فجأة حاجز سكونه وقرر الذهاب إلى عين التينة لمفاوضة رئيس مجلس النواب نبيه بري على الأسماء الشيعية!

 

يفترض ان يطلع عون رئيس الحكومة المكلف الذي سيقصد بعبدا اليوم، على نتائج مشاوراته التي أملت خلاصة واحدة وضعها الثنائي الشيعي في عهدة رئيس الجمهورية، وجعل منها معبراً إلزامياً لولادة الحكومة، وإلا فإنّها لن تبصر النور باعتبارها ستكون فاقدة للثقة الميثاقية. لا بل أكثر من ذلك، قد لا تنال ترف الوصول إلى البرلمان اذا امتنع رئيس الجمهورية عن توقيع مراسيمها. وهو احتمال قوي ومرجّح.

 

في الواقع، مرّت ثمان وأربعون ساعة على المهلة الممددة للتأليف، بعدما انتهت المهلة الأساسية، المحددة من جانب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، يوم الاثنين الماضي ولكن من دون تقديم مسودة حكومية، ولو أنّه كانت جاهزة، موضوعة على مكاتب أديب الذي تراجع خطوة إلى الوراء بسبب ممانعة الثنائي الشيعي ورفضه الصيغة التي جرى اعتمادها لتسمية الوزراء الشيعة، واللذين حالا دون حمل أديب مغلفه إلى قصر بعبدا، بعدما جرى الاتفاق على تمديد تلك المهلة الممهورة بتوقيع الادارة الفرنسية.

 

وضمن جدول اللقاءات التي عقدها رئيس الجمهورية أمس كان علي حسن خليل ممثلاً “كتلة التحرير والتنمية” والنائب محمد رعد ممثلاً كتلة “الوفاء للمقاومة”، أبلغا الرئيس عون برزمة مطالب الثنائي الشيعي على نحو رسمي بعدما كانت بلغته عبر الاتصالات التي جرت بين مساء يوم السبت وصبيحة يوم الاثنين.

 

يشير المطلعون على موقف الثنائي الشيعي إلى أنّ خليل ورعد قالا بصريح العبارة أمام رئيس الجمهورية إنّ الآلية المتبعة لتأليف الحكومة مرفوضة بشكل مطلق ومن غير المسموح أن يتولى الحريري تسمية الوزراء الشيعة الى جانب تسميته الوزراء السنة، فيما جيّر رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل طابة الوزراء المسيحيين الى ملعب رئيس الجمهورية، ما يعني ضمان أقله حصة من الوزراء المسيحيين. وبالتالي ترك الوزراء الشيعة لرغبة الحريري، وهو أمر لن يسمح الثنائي الشيعي بحصوله.

 

وفق هؤلاء، يفترض أن تكون الرسالة قد بلغت كل من يعنيهم الأمر، سواء رئيس الحكومة المكلف أو رئيس “تيار المستقبل” ليبنى على الشيء مقتضاه. والمقتضى هنا يعني تغيير قواعد التكليف، بحيث يتولى الثنائي الشيعي تسمية وزرائه، أو التشاور حولها لأنّ ادارة الظهر للقوى السياسية التي يفترض أن تعطي الحكومة الثقة، مرفوضة، كما هي مرفوضة التسمية تحت وطأة العقوبات الأميركية. أما غير ذلك، فلن يكون متاحاً بالنسبة لـ”حزب الله” وحركة “أمل”.

 

ولكن حتى ساعات المساء الأولى، كان الصمت سيد المشاورات، باستثناء ما تسرب عن اديب حول اتجاهه للاعتذار يوم الخميس اذا لم تنضج طبخة الحكومة. لم يتلق الثنائي الشيعي أي جواب ايجابي على اعتراضه. وينتظر أن تأتي التوصية من العاصمة الفرنسية لكي تتغير قواعد التأليف لتعود إلى مربعها الأول الذي سبق للرئيس الفرنسي وحدده أمام الجالسين قبالته في قصر الصنوبر في الزيارة الأولى حين تحدث عن حكومة مقبولة من جميع الأطراف، لا أن تقصي بعض الأطراف.

 

المفارقة، أنّ التعثر الحكومي تزامن مع كلام لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يحذّر فيه فرنسا من أن جهودها لحل الأزمة في لبنان قد تضيع سدى إذا لم يتم التعامل على الفور مع مسألة تسلح “حزب الله”، مشيراً الى ان “الولايات المتحدة اضطلعت بمسؤوليتها وسنمنع إيران من شراء دبابات صينية ونظم دفاع جوي روسية ثم بيع السلاح لـ”حزب الله” ونسف جهود الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في لبنان”.

 

فهل أجهضت المبادرة الفرنسية؟ وهل ستصيبها رزمة العقوبات الثانية في الصميم؟ بعدما قلبتها الرزمة الأولى رأساً على عقب؟

 

يقول أحد المعنيين بملف التأليف إنّه لا يصنّف تحذير وزير الخارجية الأميركي بمثابة اطلاق نار على المبادرة، وإنما مجرد تنبيه لا سيما وأنّ بومبيو نفسه سبق له أن ذكر أنّ واشنطن تؤيد الحراك الفرنسي في لبنان وأنّ مسألة التعامل مع “حزب الله” هي وحدها موضع خلافي بين الادارتين، وبالتالي لا تزال الكرة في ملعب باريس لتقرر ما اذا كانت لديها الرغبة في دفع مبادرتها أم التخلي عنها. ولذا لا يرى أنّ كلام وزير الخارجية الأميركي هو من باب قطع الطريق أبداً.

 

في المقابل، تقول مصادر متابعة للحراك الفرنسي إنّ المبادرة الفرنسية ليست تفويضاً أميركياً شاملاً، وإنما هي نتاج تنسيق بالحدّ الأدنى بين الادارتين اللتين سبق لهما أن عقدتا اجتماعات مكثفة خلال الأشهر الماضية الأخيرة لمناقشة الملف اللبناني، بدليل التزامن المثير للجدل بين زيارتي الرئيس الفرنسي الى بيروت والموفدين الأميركيين الرفيعي المستوى.

 

وتشير الى أنّ العقوبات الأميركية أربكت المبادرة بلا شك، ويخشى أن تكون السلة الثانية، في حال صدورها، بمثابة رصاصة الرحمة بحق الانخراط الفرنسي في المستنقع اللبناني خصوصاً وأن الرزمة الأولى استهدفت الأدوار السياسية التي يقوم بها كل من علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، ولو أنّ المعلومات تفيد عن مسعى تقوده باريس خلال الساعات الأخيرة لتعليق تلك العقوبات في محاولة أخيرة لانتاج حكومة تحول دون وقوع الانفجار المالي الكبير.

 

ويلفتون إلى أنّ من يرصد الحراك الأميركي في المنطقة يدرك جيداً أنّ واشنطن تستعجل خطواتها قبيل الانتخابات الرئاسية، ولذا لا أحد يملك جواباً عن توقيت تدخلها في لبنان وماهية طبيعته وما اذا كانت راغبة في منح باريس “حق الاستثمار” السياسي في لبنان.