IMLebanon

دوامة الشر والظلامية!

 

ليس البيان الفرنسي- السعودي مجرّد كلام سياسي منمق يخرج في لحظة سياسيّة حساسّة بالنسبة للبنان واللبنانيين. فالبيان يعكس عمليّاً التوقعات السياسيّة للمجتمع العربي والدولي من لبنان ولو أن ما ورد في متنه قد يفوق قدرة الدولة اللبنانيّة على تنفيذه.

 

لكن لم يعد من مجال للمراوغة والاختباء خلف الوقائع المزيفة. ثمّة خريطة طريق لا مفر من سلوكها إذا كانت هناك رغبة جديّة بقيام مشروع الدولة في لبنان. لقد دمرّت لعنة ضعف الدولة كل طموحات اللبنانيين بأن يكون لهم دولة قادرة وعادلة تحقق المساواة في ما بينهم وتذهب في إتجاه العدالة الاجتماعيّة والتنمية الريفيّة بالتوازي مع سائر القضايا المفقودة في هذا البلد منذ عقود.

 

الخطوة الأولى تبدأ في الاقرار بأن الاختلال العميق في موازين القوى لن يؤدي سوى إلى المزيد من الانزلاق نحو المشاريع التي لا تماثل لبنان ودوره الاقليمي وموقعه العربي الطبيعي. أي بداية من دون الالتفات إلى هذا الواقع المرير ومحاولة تصحيحه لا تعدو كونها مجرّد كسب للوقت الذي سوف يصطدم في نهاية الأمر بحسابات المصالح والدول التي قد تتقاطع في لحظة معيّنة حول ملف ما ثم تتناقض في لحظة أخرى.

 

إن الإمساك بعنق البلاد وخنقه بالطريقة التي تتم فيها بات يمثل خطراً وجودياً. تارة ترى أطرافاً لبنانيّة منغمسة في حروب الآخرين، وتارة أخرى تراها تصدّر الممنوعات إلى الخارج منطلقة من لبنان، وتارة أيضاً تراها تغطي عمليّات التهريب على الحدود البريّة اللبنانيّة- السوريّة التي لن تُرسم في المدى المنظور لإبقاء شمّاعة مزارع شبعا ولبنانيتها الملتبسة محل إستخدام سياسي دائم.

 

المبادرة الفرنسيّة ليست الأولى من نوعها، ولعلها لن تكون الأخيرة. فعدا عن دور “الأم الحنون” الذي تجيد باريس لعبه في المحطات المفصليّة، ثمّة تقاطعات دوليّة لا يمكن إشاحة النظر عنها وهي تتصل بمفاوضات فيينا المتعثرة حيال الملف النووي الإيراني، وتركيز واشنطن على كيفيّة مواجهة الصعود والمد الصيني وآخر محطاته في الحديقة الخلفيّة للولايات المتحدة، أي جزيرة بارابادوس التي خلعت رداء العرش البريطاني وإتجهت نحو الشرق تحقيقاً لمصالحها، أو أقله كما تراها أنها مصالحها.

 

صحيح أن لبنان بذاته هو تفصيل صغير في كل هذه التحولات الدوليّة الكبرى، ولكنه يحظى بالاهتمام الفرنسي الذي يمكن أن يرفع من أهميّة ملفه ليحظى بالنقاش على طاولة الدول الكبرى ويحاول النفاذ من خلالها للحيلولة دون سقوط لبنان، حتى ولو كان تحقيقاً لمصلحة فرنسيّة ما. إذا كان لبنان المستفيد فلما لا؟

 

المهم ألا تذهب بعض القوى اللبنانيّة لتعطيل المبادرة الفرنسيّة- السعوديّة التي لبنان بأمس الحاجة إليها للخروج من “جهنم” المأزق المعيشي والمالي والنقدي والاجتماعي. لقد سبق لها أن قامت بذلك من خلال دفن المواعيد التي إلتزمت بها لتأليف الحكومة، وفي محطات عديدة أخرى. التجارب الحيّة لا تزال ماثلة أمامنا. إنها قوى الظلام التي لا يضيرها إنقطاع الكهرباء بقدر ما يعنيها إنتصار مشروعها ورؤيتها ولو على حساب اللبنانيين جميعاً.

 

لقد دفع لبنان طوال عقود من الزمن الأثمان الباهظة بأن يكون ساحة لتصفية الصراعات الدوليّة والاقليميّة وهو لا يزال يدفع هذا الثمن. أما آن الأوان للخروج من هذه الدوامة؟ دوامة الشر والظلاميّة والانغلاق؟