يبدو ملف المحروقات حارقاً في المرحلة المقبلة، بدليل انّ سعر البنزين مُرشّح لارتفاع إضافي. كما انّ ارتفاع أسعار النفط عالمياً سيحرُم اللبنانيين من ساعات تغذية بالكهرباء بحيث يتوقع الاعتماد اكثر على المولدات التي سترتفع فواتيرها ايضاً بسبب ارتفاع اسعار المازوت… والسؤال كيف سيكون المشهد اذا أضفنا الى كل ذلك، احتمال خفض الدعم.
عندما خصّصت موازنة 2020 سلفة الى مؤسسة كهرباء لبنان بقيمة 1500 مليار ليرة، حالف الحظ لبنان بتراجع أسعار النفط عالمياً والتي وصلت في وقت من الأوقات، الى نحو 20 دولاراً للبرميل، فتمكّنت المؤسسة من تحقيق وَفرٍ لا تزال تستعمله وتستفيد منه حتى اليوم. حالياً، عادت موازنة 2021 لتقترح إعطاء مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة بالقيمة نفسها أي 1500 مليار، لكنّ المفارقة انّ أسعار النفط في العام 2021 ستختلف عن أسعار النفط العام الماضي. ومع بدء استعادة الاقتصاد العالمي نشاطه سجّلت أسعار النفط ارتفاعات متتالية وصلت الى 66 دولاراً أمس. ويتوقع «غولدمان ساكس» أن يصل الى 75 دولاراً في الفصلين الثاني والثالث من 2021. وعليه، كيف سيكون وضع الكهرباء في لبنان في المرحلة المقبلة، مع العلم انّ سلفة الـ2021 لم تقر حتى الآن، والأموال المتبقية تكفي شهراً على الأقل؟
على الصعيد نفسه، وفي ظل الضائقة الاقتصادية القاسية التي يمر بها لبنان، لا بد من ارتفاعات ملحوظة في أسعار المحروقات التي من المتوقع أن تسجّل زيادات في الأسابيع المقبلة متأثّرة بعاملين: الأول، ارتفاع أسعار النفط عالمياً. والثاني، نسبة الـ10% من ثمن الاعتماد التي على الشركات المستوردة أن تؤمّنه من السوق الموازي، والذي يشهد بدوره ارتفاعاً لسعر الدولار مقابل الليرة، وهو يباع حالياً بحوالى 9350 ليرة مقارنة مع حوالى 8700 ليرة الأسبوع الماضي.
وبناء عليه، فإنّ ملفي الكهرباء والمحروقات سيتقدمان التحديات المعيشية والحياتية في المرحلة المقبلة من خلال ازدياد ساعات التقنين من جهة وارتفاع سعر صفيحة البنزين بحيث قد تتجاوز الـ 40 الفاً قبل رفع الدعم، كذلك ارتفاع المازوت وما سيستتبعه من ارتفاع في فاتورة المولدات.
أسعار المحروقات
يؤكّد رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط جورج فياض لـ«الجمهورية» انه بتسجيل سعر برميل النفط العالمي حوالى 65 دولاراً وتسجيل سعر الدولار في السوق الموازي بحدود الـ 9000 ليرة، من المرجّح ان يصل سعر صفيحة البنزين الى حدود الـ 35 ألفاً، وحُكماً كلما ارتفع سعر النفط عالمياً وزاد سعر الدولار في السوق الموازي كلما زاد سعر الصفيحة محلياً. ورأى انّ هذا الواقع لا يلغي انّ أسعار المحروقات ستكون ربما اكبر من القدرة الشرائية للمواطنين، وللأسف فلا حلول حتى الآن وماذا يمكن للمصرف المركزي ان يقدم بعد، فهو يدعم هذه المادة بنسبة 90%؟
أما اذا صَحّت توقعات «غولدمان ساكس» وارتفع سعر برميل النفط الى 75 دولاراً فمن المرجّح ان يزيد سعر صفيحة البنزين 10 آلاف ليرة إذا بقي الدولار في السوق السوداء كما هو الآن. وعليه، قد يصل سعر الصفيحة الى حوالى 45 الفاً. وأسِف فياض انه لا يمكن فعل شيء تجاه هذه الأزمة، بل على العكس انّ الصعوبة ستكمن في حال خفض المركزي من نسبة الدعم المقدمة للمحروقات، عندها سيزداد الوضع سوءاً. فنحن متّجهون الى وضع أسوأ وأصعب من المرحلة الحالية.
على صعيد الكهرباء
إنّ الأزمة القادمة لن تستثني التغذية بالكهرباء التي هي أصلاً في حالة يُرثى لها، خصوصاً انّ السلفة المخصّصة في موازنة 2021 اذا ما قيست بأسعار النفط العالمية ستنعكس تراجعاً حاداً في التغذية.
وفي السياق، يقول المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة والمياه غسان بيضون لـ«الجمهورية» انه اذا كانت سلفة الـ 1500 مليار ليرة لمؤسسة كهرباء لبنان على أساس سعر برميل النفط 50 دولاراً تؤمّن 10 ساعات او 12 ساعة تغذية، وفي حال ارتفاع برميل النفط الى 75 دولاراً، فإنّ التغذية ستتراجع حوالى الثلث لنحصل على ثلثي كمية التغذية المؤمّنة حالياً بما يعني حوالى 7 ساعات تغذية.
وعن وضع الكهرباء يقول: لا يعقل انه على رغم كل التطورات السلبية والتراجع والمشاكل والصعوبات لا يُطرح سوى خيارين: امّا المال او العتمة، فهذا لا يجوز لا بل انّ هذا النهج المعتمد هو نهج استرخاء واتكالية وفشل. المطلوب اليوم استرداد دور المؤسسة ولتعتمد على قدراتها الذاتية وعلى مهندسيها، ولماذا لا يعمل مقدّمو الخدمات والصيانة تحت إدارة الكهرباء؟ وشدّد على ضرورة تغيير طريقة احتساب فاتورة الكهرباء، فلا يجوز ان يدفع من يصرف 300 كيلواط في الشهر كمَن يصرف 1000 كيلوواط.
أمّا عن تأمين سلفة للكهرباء عن العام 2021، فقال بيضون: قانونياً، تعتبر السلفة إمدادات سيولة تُعطى لتغذية الصناديق وليس المؤسسات العامة، فتعطى السلفة على أمل استردادها. وهي في المحاسبة العمومية تُعطى شرط تأكّد وزير المالية من قدرة الجهة المستلفة على السداد، وعليه أن يشترط لحظ اعتمادات في الموازنة التالية لسداد السلفة. الّا انّ السلفة التي تُعطى للكهرباء هي غير قانونية لأن ليس في مقدور المؤسسة على تسديدها. وبالتالي، إنّ الخطأ الاساسي يقع على عاتق كل من وزير المالية والحكومة ومجلس النواب، اي كل من شارك في إعطائها.
وقال: انّ تراجع أسعار النفط عالمياً أنقذ لبنان في العام 2020، اما ماذا ينتظرنا في العام 2021 مع ارتفاع اسعار النفط عالمياً، فلا مفر لنا سوى بالعودة الى الحطب وتوقيف الانتاج.
وتابع: بغضّ النظر عن السلفة وعن عدم قانونيتها، فإنّ إقراراها يحتاج الى قانون لأنها وفق القانون ليست اعتماداً يطبّق عليه القاعدة الاثني عشرية، فهذه القاعدة تطبّق على الانفاق، والسلفة ليست إنفاقاً للدولة، والأغرب انّ المؤسسة لطالما طالبت وزير الطاقة بمساهمة وليس سلفة بقيمة 3200 مليار لتغطية عجزها، والملفت انّ القانون يصدر في الجريدة الرسمية بإعطاء سلفة للمؤسسة، بينما يُكتَب مساهمة في مجلّد الموازنة الأسود الذي يوزّع على الوزارات، امّا في قطع حساب الموازنة فهذه السلفة معلقة، اي انها ليست ضمن الموازنة ولا ضمن الميزانية، اي انها لا تعتبر إنفاقاً نهائياً للدولة ولا ذمّة على مؤسسة الكهرباء تسديدها.