IMLebanon

حرب غزة والبرهة المؤاتية للبنان

 

 

تتَّجه أنظار القوى الدولية وخصوصاً كلٌّ من الولايات المتحدة وفرنسا، بالاضافة الى مختلف الاحزاب والقوى السياسية اللبنانية نحو التطورات الجارية على الجبهة الجنوبية، والتي امتدت في اكثر من مناسبة الى العمق اللبناني، حيث بلغت مؤخراً ضواحي مدينة بعلبك، اي الى عمق 99 كيلومتراً من الخط الازرق، لتستهدف مواقع «حيوية» لحزب الله. تأتي هذه الغارات في عمق البقاع على اثر نجاح حزب الله في اسقاط مسيّرة «هرمس 450» وهي طائرة متطورة متخصصة في جمع المعلومات عن مواقع حزب الله في منطقة اقليم التفاح.

تأتي هذه التطورات الدراماتيكية في الاشتباكات بين حزب الله واسرائيل، والتي بدأت في 8 تشرين أول بقرار من الحزب انتصاراً ودعماً لحماس ولغزة.

 

وتحسباً لتطور وانزلاق المواجهة بين اسرائيل والحزب نحو الأسوأ، فقد قررت الحكومة الاسرائيلية اخلاء العديد من البلدات والمستعمرات في الجليل وشمالي اسرائيل من السكان المدنيين نحو الداخل حفاظاً على سلامتهم، على ضوء الخسائر التي تكبدتها في الجنوب.

لكن يبدو بأن هؤلاء السكان يرفضون فكرة العودة الى بلداتهم ومساكنهم، اذا لم تتوفر لهم الضمانات الامنية، بأن مصيرهم لن يكون مهدداً على غرار ما اصاب سكان المستعمرات المحيطة بغزة في هجوم 7 تشرين أول الذي شنته حماس.

حاول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يؤاف غالانت في اكثر من اجتماع مع ممثلين عن هؤلاء «المهجرين» باقناعهم بالعودة، ولكنهما جوبها برفض كلي لجميع الضمانات التي تحدثا عنها.

 

في رأينا ينطلق هذا الرفض من قبل السكان للعودة انطلاقاً من سببين: الاول، لانعدام ثقة معظم الرأي العام الاسرائيلي بالقيادات السياسية الراهنة، بعد التجربة السيئة في جنوب اسرائيل من جهة، ولقناعتهم بأن اسرائيل قد خسرت فعلياً عامل الردع الذي كانت تنعم به الكتل السكانية في المناطق الحدودية سواء في الجنوب او الشرق او الشمال. لقد سقطت بالنسبة لهذه الكتل السكانية مقولة واسطورة بأن جيش الدفاع الاسرائيلي يتمتع بقدرات عسكرية رادعة، ولدرجة انه لا يمكن لأعداء اسرائيل المغامرة بمهاجمتها واختراق حدودها.

مع استمرار الموقف الرافض لسكان شمال اسرائيل بالعودة الى قراهم، استمرت القيادات الاسرائيلية السيايسة في رفع مستوى تهديداتها للبنان ولحزب الله، بأنها ستشن حرباً على لبنان اذا لم يبادر الحزب الى سحب مقاتليه وصواريخه بعيداً عن الحدود، اي ما وراء مجرى نهر الليطاني او عشرة كيلومترات عن الخط الازرق. وجاء رد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله سريعاً وحازماً بأن زيادة عدد الالوية على الحدود مع لبنان لا يخيف الحزب، وبأن لديه كل الموارد والاسلحة والاستعدادات لمواجهة هذا التهديد. واستمرت اسرائيل في تصعيد هجماتها وتوسيعها الى الغازية واقليم التفاح، ومؤخراً الى ضاحية بعلبك، كما هدد وزير الدفاع الاسرائيلي بضرب بيروت، عندما تحدث عن وجود الطائرات فوق العاصمة محملة بقنابل ثقيلة. وكان اللافت في هذا السياق ما قاله المستشار السابق للامن الوطني يعفوف اميدرار بأن نقل الألوية من غزة الى الشمال، يأتي في اطار التحضير للمرحلة الثانية من الحرب، وعندما تتحول التطورات الامنية الى حرب مفتوحة، ضد لبنان.

تنظر القيادات الاسرائيلية الى حزب الله على انه اكبر واقوى «ميليشيا مسلحة» في العالم، وبأنه يشكل بقدراته الراهنة، وفي ظل الدعم الايراني غير المحدود لقدراته الصاروخية، مصدر قلق وتهديد لأمن اسرائيل، وبأن هذا التهديد لن يقتصر على شمالي اسرائيل، بل سيطال العمق الاسرائيلي، وصولاً الى جنوبي البلاد.

يبدو بأن الموقف الاسرائيلي ممَّا يجري على الحدود مع لبنان قد بدأ يأخذ منحى تصعيدياً، وهذا ما تؤشر اليه بوضوح عملية اغتيال صالح العاروري في الضاحية الجنوبية بالاضافة الى العمليات في العمق باتجاه الغازية وجدرا وجوار بعلبك. ويترافق ذلك مع تصريحات المسؤولين السياسيين بأن التوصل الى هدنة في غزة يمكن ان لا يشمل الحدود مع لبنان. فاذا طبقت اسرائيل ما تقوله، فهذا يعني بأن قرار الحرب في الشمال هو في طريق الاعداد، ولن تفصلنا عنه سوى اسابيع معدودة، ومن المرجح بأن اعلانها سيكون متوقعاً بعد اربعة اسابيع من انتهاء العملية على رفح. والتي يصرّ نتنياهو على تنفيذها من اجل تحقيق النصر الذي وعد به.

في الواقع بأن لبنان في مواجهة حقيقية مع اخطار اندلاع حرب واسعة ومدمرة، في ظل الازمة المالية والاقتصادية المتمادية، وفي ظل المأزق السياسي المستمر، حيث لا رئيس للجمهورية ولا مجلس وزراء فعلي او فاعل، في الوقت الذي تزيد فيه الحرب في غزة من زيادة منسوب الدفع باتجاه حرب شالمة تدمر ما تبقى من بنى اساسية للدولة ولحزب الله على حد سواء.

المؤسف في الامر بأن معظم الفئات اللبنانية خارج الجنوب او البيئة الشيعية، تواجه هذه المخاطر الكبيرة بحالة من عدم المبالاة، سواء على الصعيد السياسي او الشعبي، هذا بالاضافة الى فهم السلطتين التنفيذية المتمثلة بحكومة تصريف الاعمال او مجلس النواب لا يعيران اي اهتمام للمخاطر او التهديدات الخطيرة التي يطلقها نتنياهو او وزير دفاعه، ولا يبدون اي اهتمام سياسي او دبلوماسي لتمدد الحرب وبلوغها مدينة بعلبك والضاحية الجنوبية. ويكتفي المسؤولون اللبنانيون في مواقفهم بالحديث عن مدى اهتمام الرئيس بايدن وادارته بمنع تمدد الحرب لتشمل لبنان. وهذا الامر لا يكفي يا سادة الحكام وأن واجبكم الوطني والوظيفي يفرض عليكم القيام بمبادرات وتقديم مقترحات من اجل وقف تفاقم الازمة والاشتباكات والتخفيف من التصعيد الحاصل بأبشع مظاهره من خلال الاغتيالات اليومية التي تنفذها اسرائيل ضد قيادات حزب الله ومقاتليه.

كان أحرى بالحكومة اللبنانية والمجلس النيابي ان يحمل الى المحافل الدولية وعواصم القرار مشروع تطبيق القرار 1701، ومطلب انشاء منطقة آمنة تمتد حتى الليطاني مع تفعيل دور الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية، ومطالبة عواصم القرار ومجلس الامن بالضغط علي اسرائيل لإحترام مندرجات القرار الدولي، ووقف خروقاتها البرية والجوية.

في النهاية لا بد في رأينا، ان تصل الحرب على غزة الى نهاياتها في المستقبل المنظور، وسيفتح ذلك الباب امام الدبلوماسية الدولية للتحرك للملمة آثار الحرب وتضميد الجراح واعادة البناء، والبحث عن مشروع يعطي الأمل بترسيخ حالة هدنة طويلة او يؤسس لسلام دائم، وسيشكل هذا التوجه البرهة المؤاتية التي ينتظرها لبنان للخروج من ازماته الداخلية، وبما يفتح الباب امامه لاستعادة الدولة لسيادتها على حدودها الجنوبية.