IMLebanon

صدام الخيارات وحدود الأثمان

 

هل كنا بحاجة الى تجربة المئة يوم الاولى مع حكومة الرئيس حسان دياب؟ “الف عام في عينك يا رب هي كأمس الذي عبر” ولا فائدة من مطالبة الحكومة بإنجازات، ولا من مفاخرتها بما تسميه إنجازات. فالإنجاز المؤكد هو إسقاط هذه الباقة المنسقة من السيدات والسادة بالمظلة على كراسي الوزارات. الحكومة تعرف انها في المنصب لا في السلطة. وصاحب السلطة يعرف ان لعبة الأقنعة انتهت. ولا أحد يعرف كيف ينتهي صدام الخيارات المفروض علينا بقوة الأزمة.

 

قبل قرنين وصف وليم هازلت الاحزاب البريطانية بانها “تشبه مندوبي شركتين يسافران في الاتجاه نفسه وبالسرعة نفسها ويتراشقان بالوحل”. اليوم نرى مثل هذا المشهد في التراشق بالمسؤولية عن الافلاس والفساد بين الشريكين في “ادارة التوحش” المالي الاقتصادي: التركيبة السياسية، والتركيبة المصرفية.

 

في سورينام جمع الرئيس المسؤولين في المصارف وقال بصراحة: هناك مبلغ “ضائع” ثم اعلنت الحكومة انها اخذت مئتي مليون دولار لاستيراد الضروري من الغذاء. هنا جرى كل شيء بتواطؤ وصمت على مدى سنوات قبل ان يعلن الرئيس دياب ان مليارات المودعين “تبخرت”.

 

وليس الخلاف على أرقام الخسائر بين الحكومة ومصرف لبنان سوى دليل على أمرين: أولهما ان المسماة “خطة التعافي” هي مجرد ورقة للتفاوض وبطاقة لدخول الامتحان مع صندوق النقد الدولي. وثانيهما ان الخلاف عميق على المخرج من الأزمة سواء سمّي “تسكير تفليسة” او “إنقاذ بلد”.

 

والساعة دقت لامتحان الشعارات بالنار. فلا مبرر للبقاء في مرحلة صدام الخيارات. ولا مهرب في اي خيار من دفع ثمنه. خيار سيدر وصندوق النقد، اي عملياً الغرب والعرب، ثمنه واضح: سياسة “النأي بالنفس”، إمساك بقرار الحرب والسلم، حوكمة رشيدة وإصلاحات جدية. خيار الانتقال من الاقتصاد الحر الى الاقتصاد الموجه ثمنه الانتقال الى نظام سياسي سلطوي ضمن محور “الممانعة” والعقوبات. وحتى في ظل الاقتصاد الحر، فان الشعار الرائج عن الانتقال من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد المنتج، يحتاج الى الانتقال من حال السلطة الى حال الدولة، بكل ما يعنيه بناء الدولة من حياة ديموقراطية وانهاء نادي الاوليغارشية، وقيام سلطة قضائية مستقلة ونزيهة وما سماه غرامشي “احتكار العنف الشرعي”.

 

ومن دون إصلاح لا مال ولا إنقاذ. لكن الاصلاح الجذري ضد مصالح التركيبة السياسية. وليس قدر لبنان ان ينطبق علينا حديث “الذين يقادون الى الجنة بالسلاسل”.