IMLebanon

تحوُّل الازمة الحكومية إلى مأزق وطني.. الدعوة الى طاولة حوار لمنع الإنقلاب على الصيغة والكيان

 

في ظل التشابك والتفاعل السياسي السلبي من أجل حل عقدة توزير أحد نواب سنة 8 آذار والتعنت المستمر في مواقف مختلف الأطراف يبدو بان أزمة تشكيل الحكومة باتت مرشحة للتحول الى مأزق سياسي وطني، يفتح الباب امام تفاعلات يندمج فيها الداخل بالخارج فتهدد الكيان في أساسه. في ظل التهديدات بالانهيار الاقتصادي، والضغوط الإسرائيلية المتجددة، وما يمكن أن تحمله جلسة مجلس الأمن الدولي التي ستعقد اليوم لبحث الخروقات المترتبة على تنفيذ القرار 1701 بعد اكتشاف أربعة انفاق عابرة للحدود اللبنانية الإسرائيلية مع توقع ارتفاع الأصوات الداعمة للموقف الإسرائيلي بتعديل قواعد الاشتباك التي نص عليها القرار 1701 وبالتالي المطالبة بتنفيذه تحت الفصل السابع بعد أن كان قد جرى وضعه تحت الفصل ستة ونصف، بات من الضروري والملح ان تتنادي القوى السياسية الأساسية للاجتماع من أجل تفكيك العقد الناتجة عن «الفيتو» الذي وضعه امين عام حزب الله حسن نصر الله في خطابه العلني والذي اعلن فيه بان «لا حكومة» اذا لم يتمثل سنة 8 آذار فيها.

تدعو جميع التجارب والأزمات التي واجهها لبنان في القرنين التاسع عشر والعشرين بالإضافة الى الازمات التي هددت كيان دولة الاستقلال من أساسها، بان تعيد مختلف القوى السياسية الرئيسية، وعلى راسها حزب الله تقييم مواقفها من تشكيل الحكومة العتيدة وبالتالي التخلي عن خدمة مصالحها الضيقة واحتساب المكاسب التي يمكن أن تجنيها من خلال حصتها وحصص حلفائها في الحكومة. ويبقى من المأمول ان تنتهي هذه القوى السياسية الرئيسية في إعادة تقييم مواقفها من المشكلات التي تعطل تشكيل الحكومة الى إدراك أهمية اختيار الاتجاه الذي على الدولة ان تسلكه في هذه الفترة العصيبة من اجل الحفاظ على الاستقلال وصيانة الأمن الوطني من خلال الحؤول دون حصول حرب جديدة مدمرة مع إسرائيل، واستعادة المبادرة للنهوض بالاقتصاد ومنع انهياره.

لا بدّ من الاعتراف بان مختلف القوى السياسية (دون استثناء) قد ساهمت في عرقلة جهود الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة، ولكن الصراحة تقضي بالاعتراف بان حزب الله قد تعدى حدود المطالب التقليدية التي تقدمت بها الكتل الأخرى بقصد تحسين مواقعها داخل الحكومة، الى وضع شروط تؤشر الى أن ما يسعى الى تحقيقه هو أبعد من تحسين مواقعه داخل الحكومة، وبأن هدفه بات يتركز على أن يكون شريكاً فعلياً في عملية تشكيل الحكومات، مستبدلاً ما نصت عليه الأصول المتبعة دستوراً وعرفاً  حفاظا على حقوق الطوائف الكبرى ودورها في عملية تشكيل السلطة.

أن استعمال المذهبية السياسية التي لجأ اليها حزب الله لتحقيق مصالحه الداخلية والإقليمية من خلال اتفاق الدوحة عام 2008، ومن التسوية الأخيرة لإرغام القوى السياسية الأخرى على قبول مرشحه العماد ميشال عون كمرشح وحيد لرئاسة الجمهورية بالإضافة الى الفيتو الأخير على تشكيل الحكومة تؤشر مجتمعة الى انه مستمر في استعمال فائض قوة سلاحه ودوره الإقليمي بالاضافة الى تماسك ساحته المذهبية لتغيير موازين القوى السياسية في لبنان وتوسيع دوره وتحويله من مشارك في السلطة الى مهيمن على مقاليد الحكم، وبالتالي ترجيح أدوار الدويلة المذهبية على حساب الدولة الوطنية.

في الواقع لن تحل مبادرات «الترقيع» التي يقودها رئيس الجمهورية المأزق السياسي الذي بات يواجهه الكيان، مع تبلور وجود خطة لدى حزب الله للسيطرة على كل مفاصل النظام السياسي، وإخضاع جميع المؤسسات الرسمية في الدولة لنفوذه، وبالتالي التحكم بقراراتها وعملها الوظيفي. لقد بات من الضروري الاعتراف بأن المأزق الراهن يذكرنا بالمأزق الذي واجهه النظام في عام 1969، مع انتشار العمل الفدائي الفلسطيني بتشجيع من اليسار اللبناني والمسلمين، الذين استغلوا عدم التجاوب مع مطالبهم  بالمشاركة العادلة في الحكم. لا يمكن حل المأزق الراهن «باتفاقية قاهرة» مع حزب الله على غرار ما جرى مع المقاومة الفلسطينية.

لن يؤدي تشكيل الحكومة في حال نجاح مبادرة الرئيس عون الى حل المأزق الحقيقي الراهن وسيدفع استمراره الى توسيع الأزمات التي يواجهها لبنان داخلياً وفي علاقاته العربية والدولية، وأن المخاطر المترتبة باتت تتطلب معالجة سياسية بالعمق من خلال عقد طاولة حوار  يتقرر من خلالها دور المقاومة ضمن الكيان السيادي وسد الثغرات التي ينفذ منها حزب الله وحلفاؤه في الدستور والاعراف المتبعة لتعطيل كامل صيغة الحكم.

العميد الركن

نزار عبدالقادر