IMLebanon

هل حانت ساعة «كش ملك» الأوليغارشية الحاكمة «في لبنان»؟!

 

 

ما الذي حدث بعد دقائق معدودات من إذاعة وزير الإعلام في «حكومة الأزمات» عن زيادة أو فرض 6 دولارات شهرياً على استخدام تطبيق (WatsApp) المجاني، بطلب من الوزير المعني، الذي دأب منذ تعيينه وزيراً على توجيه الانتقاد تلو الآخر لعدم تدفيع المكلف اللبناني مالاً على هذا الاستخدام؟

 

بدأت طلائع حركة تجمعات في وسط بيروت، اعتاد عليها اللبنانيون، سواء الذين خرجوا إلى الشارع رفضاً لهذا الاجراء الصبياني، الاستخفافي، الطائش، ولكن وسط حركة استخفاف من الوزراء، سواء الذين وافقوا أو تحمسوا أو صمت آذانهم، بردة الفعل.. فإذا ما تعالت الصيحات وسط المدينة، الذي تحوَّل إلى ساحة استفتاء أو اعتراض أو مطالبة، حتى تنبه «القوم الضالون» إلى فعلتهم. فشرارة «الواتسآب» لم تكن سوى بداية لحركة احتجاج، فاجأت حتى الذين تداعوا إليها.. وإذا كان الرئيس سعد الحريري، الذي يغالب «القدر» أو يغالبه «القدر» للخروج من «لعنة الأزمة» أو «لعنة المسؤولية» طلب إلغاء «الإجراء المالي» فإن الخطوة، بصرف النظر عن توقيتها، لم تعد تعني «للزحف الشعبي» أمراً خطيراً.. لقد خرج الجائع شاهراً سيفه.. وغضبه..

 

لم يُدرك أحد من «الطبقة السياسية» التي تسامح معها الشعب اللبناني، ومصت دماءه، ودمرت أحلامه ان «المارد العظيم» خرج من القمقم..

 

عبّرت «الشعارات المرفوعة» عن طلاق حاد وبالثلاثة بين فقراء لبنان وشبابه وشاباته و«الأوليغارشية» اللبنانية النهمة، الجشعة، المتعجرفة، و«النتنة»، التي ترتدي مسوح «المذهبية»، والطائفية، وتمارس أحط أشكال «التقية السياسية»، من زاوية الزعم انها تحافظ على «حقوق الطائفة» أو «المذهب» فتثير الذعر لدى جمهورها وأبناء جلدتها الطائفية، لتمعن في الأرض فساداً..

 

بعبارة «كلن يعني كلن»، كان شباب لبنان وشاباته، ونساؤه وشيوخه وحتى الأطفال، بمن فيهم الأجنة، يصرخون: لا نريدكم رؤساء، ونواباً، وأحزاباً، اغربوا بوجوهكم الكالحة، عن «سمائنا»، بأموالكم ونسائكم، وكل ما ملكت ايمانكم.. كفى.. طفح الكيل..

 

ظنت «الأوليغارشية» الحاكمة أنها باستحواذها على مقدرات السلطة (المال، الميليشيا، الشرطة، قوى الأمن، الحمايات، الجيش، القضاء، الإعلام والأزلام) أنها قادرة على ضبط وقائع الحياة، وكبت مشاعر النّاس الذين خلقهم الله سواسية، واعطاهم الحق بالحياة والعمل، والسعادة وتكوين الأسرة، والحماية والأمن، ضمن عقد اجتماعي، مكتوب وغير مكتوب، فرضته تحولات الإنتاج وتشكل المدن، وظهور الصناعات والتجارات العابرة للقوميات واللغات والجغرافيا..

 

لم تمكث «آلهة الطعام» طويلاً في حراسة جياع الشعب (بتعبير شاعر العراق الكبير محمّد مهدي الجواهري)، لم تنم جياع الشعب الليل كلّه.. نهضت من سبات عميق، سبات الطائفية، والذل، وخرجت ليس لإلغاء ضريبة من هنا، أو تعديل قرار من هناك، خرجت لاعلان «اللعنة الشعبية» على طبقة الجور والنهب والسطو، وطالبت بإبعاد كل هذه الطبقة عن إدارة الدولة..

 

لم يكن بحسبان هؤلاء، ان الوجع سينفجر «يوماً ما» وفي لحظة سكرى من الزمن، ليقلب الطاولة فوق رؤوس مكدسي الثروات، على حساب عطش وجوع ومرض وبطالة الآلاف المؤلفة من طالبي العمل والسكن والزواج ومعالجة المرض، والتغلب على الديون.

 

تحيّر أحداث بيروت، أو انتفاضة «السيادة الشعبية» هؤلاء المسؤولين المتخمين بالعداء لمصالح النّاس، المستكبرين لدرجة ان صوت الشارع، كان يعبّر عن «كراهية لهؤلاء» غير مسبوقة، في تاريخ لبنان الحديث.. ظن بعضهم انه بمنأى عن النقد أو «الاهانة»، فإذا بالاصوات تندّد غير آبهة «بالجلاد» وزبانيته، وكل ما يدور في خلده: «ارحل» الآن، وإلى الأبد.

 

قد تبدو الصورة عصية على الفهم… البعض سارع إلى كلام عن «فوضى» (Chaos)، تعصف بلبنان، الذي لا يحتمل كثيراً على الاستقرار.. مثلما عصفت ببلدان عدّة مجاورة: من تونس إلى مصر، العراق، ليبيا، وسوريا وسواها.. الأهم ان «الشارع الغاضب» اوصل رسالة واضحة، ان لا ثقة بهذه الحكومة، أو أية حكومة مقبلة على إدارة مشكلات لبنان وحلها.. من أولى نتائج ما حدث:

 

1- تبديد مزاعم الطبقة السياسية أنها تمسك بالشارع.. ففي عزّ البحث عن مخارج لأزمة الموازنة، والمديونية، وانتشال الاقتصاد من الركود.. انفجر الصمت اللبناني، يكذب هؤلاء، ويدعوهم لمغادرة المسرح..

 

2 – من المؤكد ان «الزلزال الشعبي» سيكون حدثاً بالغ الارتدادات على صعيد إعادة تشكيل الحياة السياسية في لبنان. ومع ان الطبقة السياسية، ما تزال حيث هي، محمية، مدججة، قادرة على الحركة، فإن الأرض تميد تحت أقدامها.. منذرة بعالم جديد في لبنان، أعاد الاعتبار لقوة الفعل اللبناني، وقدرته على احداث العجائب، تماماً، عندما قاتل اللبناني الاحتلال، والإرهاب، وتمكن من إنهاء وصايات الدول والحركات والجماعات غير الوطنية..

 

3 – ان ما يجري من ساحة رياض الصلح، إلى ساحة النجمة في صيدا، مروراً بالتجمعات الحاشدة عند مفرق التقاطع في كفررمان – النبطية، وصولاً إلى طريق الساحل الجنوبي، والساحل الشمالي، والاشرفية، والمشرفية، ومارمخايل وبيروت، امتداداً إلى بعلبك والهرمل وعكار، وساحة النور في طرابلس هو حدث يرتقي إلى الأحداث الكبرى في التاريخ، أو تاريخ لبنان.. ان اللعبة واضحة، أطفال، تلامذة مدارس، مرضى، مستضعفون، في الساحات يصيحون: «كش ملك».

 

وبصرف النظر عن معرفتهم بلعبة الشطرنج أو ألعاب (games) الإلكترونية، فإن الممهمشين، انتفضوا، وقالوا «للمهمّشين»: انتهت اللعبة – العراك أو الإفتراق..

 

4 – من المؤكد ان الآلاف المرابطة عند «حقها في العمل» والراتب، والزواج، والأمن، والعدالة، والمساواة وتكافؤ الفرص، وهي تخلع ثوب الطائفية الممزق، لم تقرأ عن الثورة.. وبعض شبانها يزعقون «ثورة.. ثورة..» وهم لم يقرأوا عنها آلاف المقاطع.. هي لم تسمع بأسماء روبسبير، ولافاييت، ولم يقرأ إلا ما ندر من الأفراد هناك في الساحات، كتاب «ما العمل» لمفجر ثورة أكتوبر الروسية، الاشتراكية، الشهيرة، قبل أكثر من مائة عام (1917) لينين.. ولم تقرأ، بالطبع أيضاً رواية «الحرب والسلام» لتولستوي (Tolstoy) حيث يسارع الأمير اندرو (Prince Andreu) إلى التقاط راية أسقطها ضابط منسحب (من المواجهات الروسية – الفرنسية) غير آبه بالخطر والرصاصات الملعلعة من حوله، يُطلق صرخة حادّة كزعيق الأطفال، ويندفع جرياً إلى الامام.. ثم يجتمع حوله الجنود لمواجهة غزاة بونابرت..

 

5 – بدت الأعمال الصغيرة، في ساحات العاصمة، وسائر المدن – العواصم في لبنان، وكأن لا قيمة لها، في نظر هؤلاء القابضين على السلطة..

 

خلاصة رواية «الحرب والسلام» تكشف عن ان القابعين في قاعدة الهرم هم الذين يصنعون التاريخ، وان كانوا غافلين عن ذلك..

 

6 – ولا هم، بعد، ماذا حدث هنا أو هناك، ماذا تكسر، أو لم يتكسر.. فإن من ساحة الحرية، من ساحة رياض الصلح، وساحة الشهداء، ينبثق فجر جديد لبلد صغير، اسمه لبنان..

 

أعادت انتفاضة اللبنانيين ضد الفساد ومنظومته السياسية والحزبية والتحكمية والإعلامية الروح إلى اللبنانيين.. والأمل بإمكان ولادة وطن، ليس «غلطة دبلوماسية» أو تاريخية أو جغرافيا.. وطن يستحق الحياة بجدارة.. مع تهاوي أنظمة، ذهلت عن احداث التاريخ، وظنت انها أكبر من القياصرة، والجبابرة.. والفراعنة..

 

لن تموت البسمة، بعد على وجوه أطفال لبنان، ولن يهاجر الشباب هرباً من قدر فرضه «مغتصبو الطوائف» في نظام طائفي.. ثمة نسائم ثورة في أجواء لبنان..

 

ممَّا تقدّم، تكشف الأحداث الجارية عن نموذجين للخروج من الأزمة، مع تنبه النّاس للمظالم الشديدة، والعجز عن الإدارة الراهنة.. إن المخرج بولادة نموذج (براديغم) جديد، لأن النموذج القديم في السياسة والاقتصاد بات بالياً؟!