في كتاب “طريقة “حزب اللّه” في العمل الإسلامي” الصادر عن مكتب العمل الإسلامي في أيلول 1985، يتحدّث الكاتب علي كوراني عن الدور المحوري للإعلام في التحرّك الإسلامي ودوره المهم في حشد طاقات الجماهير ودعم مسيرتها.
ومنذ البداية، برزت أهمية الإعلام في مسيرة “حزب اللّه”، مستمدّين ذلك من رؤية الجمهورية الإسلامية في إيران لأهمية الإعلام والدعاية في عمل الأمة، ومن أقوال مؤسّس الثورة الإسلامية روح الله الخميني الذي أكّد أنّ “وسائل الإعلام – وخاصّة الإذاعة والتلفزيون ومراكز التربية والتعليم العامّة هذه – قادرة على أداء خدمات كبيرة لإيران وللثقافة الإسلاميّة”، واعتبر أنّ “وسائل الإعلام تُعدّ أكثر سوءًا وضررًا من المدافع والدّبابات والأسلحة المخرّبة، فغالبًا ما تزول أضرار الأسلحة، بينما تبقى الأضرار الثقافيّة وتنتقل إلى الأجيال القادمة”، فالطابع التبشيري لنهج ورؤية الثورة الإسلامية في إيران ومشروع تصديرها ينظر إلى وسائل الإعلام كجهاز توجيهيّ له مهمات كتوعية جميع فئات الشعب وتربيتها وتخليصها من التبعية للغرب وحمْل نداء الأمة، وتهذيب المجتمع ونشر الأخلاق الإلهية، وكان المؤمنون بالثورة الإيرانية، نواة “أمة حزب اللّه” حريصين على إيصال أفكارهم إلى عدد كبير من الناس، نظرًا إلى طبيعة حركتهم الناشئة والتبشيرية في ميداني الدين والسياسة، فساروا على هدى أفكار الخميني، واعين أهمية وسائل الإعلام والمسجد والكتاب.
“حزب اللّه” على الأثير
كانت الإذاعة من أولى وسائل “حزب اللّه” الإعلامية وبدأت في بعلبك مركز ولادة مشروع تصدير الثورة إلى لبنان عام 1983، بتأسيس محطة حملت اسم “صوت المستضعفين”، وصَفَها أوّل مَن تولّى إدارتها، النائب السابق الشيخ خضر طليس الذي قتل في أحداث حوزة عين بورضاي عام 1998، بأنها تشكّل “المتراس الإعلامي الأول للحالة الإسلامية في لبنان”، بجانب تغطيتها أخبار نشاطات “حزب اللّه” ودعوتها الناس إلى المشاركة فيها، وبثّها أخبار عملياته العسكرية، كانت هذه الإذاعة تخصّص فترات للإجابة عن الأسئلة الفقهية وتبثّ برامج دينية وكانت تنقل خطبة يوم الجمعة في مسجد الإمام علي في مدينة بعلبك والتي عكف على أدائها السيد عباس الموسوي حتى بداية التسعينات، تلتها في بيروت عام 1987 إذاعة “صوت الإيمان”، وكانت تدور في فلك السيد محمد حسين فضل الله المرشد الروحي السابق لـ “حزب اللّه”، وفي 9 أيار 1988، أُطلقت إذاعة النور، الإذاعة الرسمية لـ “حزب اللّه” وبدأت تدريجيًا تستقطب جمهوره، وبقيت إذاعة المستضعفين في منطقة بعلبك – الهرمل حتى منتصف التسعينات إلى أن صدر قانون تنظيم وسائل الإعلام المرئية والمسموعة حيث نالت “النور” ترخيصًا رسميًا عام 1999، وأضحت رفيقة محبّي “حزب اللّه” في سياراتهم، كما تصل رسائلها يوميًّا بشكل ملزم إلى آلاف ركّاب سيارات التاكسي والفانات في مناطق سيطرة “حزب اللّه”، لا سيّما في الضاحية الجنوبية.
“حزب اللّه” في الإعلام المرئيّ: الإعلام الحربيّ نجم المحور
في عام 1987، ظهر في البقاع تلفزيون يبثّ صورًا لآية الله الخميني، وخطب الجمعة للعلامة محمد حسين فضل الله، وتقارير عن عمليات عسكرية للحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى أناشيد ثورية عربية وإيرانية، أُطلق عليها اسم “تلفزيون الفجر” وأضحى يغطي البقاع مئة بالمئة. وفي حزيران 1991 أطلق “حزب اللّه” قناة “المنار” من بيروت التي نالت ترخيصًا عام 1998، وأطلقت على نفسها لقب “قناة العرب والمسلمين”، وانطلقت ببثها الفضائي عام 2000. كان للصورة أثرها في تفعيل هالة القوة لدى “حزب اللّه” فعمل ما عرف بـ “الإعلام الحربي” على نقل “ميدان المقاومة” إلى الشاشة الصغيرة، وبثّ العمليات العسكرية إلى المشاهدين بعد ساعات قليلة من وقوعها، ما ترك في نفوس هؤلاء آثارًا عميقة أجّجت في الشباب شدّة الحماسة والرغبة في الانضمام إلى المقاومة. وبالإضافة إلى قوته القتالية، نشَرَ “حزب اللّه” أيديولوجيته ليس فقط في لبنان وإنّما على امتداد العالم العربي عبر مجموعة برامج تلفزيونية تعتمد في نِتاجها على المرتكزات التثقيفية لـ “الحزب”. هذا العمل أوجد دورًا متميزًا “للإعلام الحربي”، واستعين به بشكل فعّال في الحربَين: السورية واليمنية وأضحى لـ “الإعلام الحربي” مؤسسة مستقلة ومتعدّدة الأفرع، كما يظهر على موقعها الإلكتروني “الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية” https://central-media.org/))، حيث تظهر خرائط تفاعلية لخمس دول هي: لبنان، سوريا، اليمن، فلسطين والعراق تحت عنوان: خريطة السيطرة. ويُعرَف الموقع نفسه بأنه مصدر لـ “الخبر اليقين من مصادره في قيادتَي محور المقاومة والعمليات الميدانية”.
التواصل الاجتماعي: السلاح الجديد
كان “حزب اللّه” من أوائل من استعمل الإنترنت في لبنان منذ عام 1997، وبحسب كتاب “الإعلام عند الشيعة سلاح ومبادرات” الصادر عن أمم للتوثيق والأبحاث عام 2023، أنشأت إيران في تشرين الأول 2003 المنظمة الوطنية للدفاع السلبي (NPDO)، وهي منظمة مسؤولة عن تعزيز مصالح البلاد من خلال تنظيم استخدام الوسائل غير الفتاكة بما في ذلك الإجراءات النفسية واستخدام قنوات وسائل الإعلام. وتمّ عام 2015 ولادة الجيش الإلكتروني لـ “حزب اللّه” (HCA)، الذي تديره “مجموعة سيميا” التابعة للوحدة الإلكترونية في “الحزب”. تضمّ مجموعة الترويج ومجموعة تقديم حملات التبليغ لإدارتَي “الفايسبوك” و “تويتر” بحق روّاد مواقع التواصل الاجتماعي الذين لا يؤيّدون سياسة “حزب اللّه”، ويوجّهون إليه الانتقادات، بهدف إغلاق حساباتهم لمدّة محدّدة ومنعهم من التفاعل والتعبير، ومجموعة الأمن الإلكتروني، وتدير شبكة من المواقع الإخبارية والصفحات الرسمية والحسابات التي تروّج لسياسات “حزب اللّه”.
لا شكّ أنّ جماعة “حزب اللّه” ملكت الأدوات الإعلامية القادرة على التأثير في عقول الرأي العام، إن من خلال مؤسساتها أو من خلال الموالين لها في عدد كبير من الصحف والقنوات التلفزيونية اللبنانية والعربية، فقامت منظومة إعلامية ممنهجة كان لها اليد الطولى في النجاح التجييشي والاستقطابي وساهمت في تسجيل مفاهيم عامة كـ “المقاومة” كماركة مسجلة لها، ما جعلها تهيمن وتسيطر على عقول وقلوب الكثير من المتلقين في مناطق سيطرتها، وتفرض الرؤية والنهج المتمثلين بفكر ولاية الفقيه المطلقة في ظل انكفاء قدرات ومفاهيم الدولة وتأثيرها غصبًا أو رضائيًا.