IMLebanon

القطاع الصناعي يواصل توسّعه… واستثمارات بمئات الملايين من الدولارات

 

 

رغم ان العوامل السلبية تطغى على العوامل الجاذبة والعناصر الايجابية التي قد تحفز على الاستثمار في لبنان، ورغم ان البيئة بكل مقوّماتها غير حاضنة للاستثمار، إلا ان البلاد شهدت منذ اندلاع الازمة، ورغم تفاقم الازمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية وتفاقم تداعياتها على كافة الاصعدة، حركة استثمارات في القطاع الصناعي الذي نما حجمه بافتتاح مصانع ومعامل جديدة، رأى المستثمرون فيها فرصة للاستفادة من تراجع القدرة الشرائية لمعظم اللبنانيين لتعزيز الصناعة المحلية كبديل عن الاستيراد. وتحدوا عوائق البنية التحتية غير المؤهلة من كهرباء واتصالات، فضلاً عن التهريب والتهرب الجمركي والمنافسة غير الشرعية والاستيراد العشوائي والاغراقي، بالاضافة الى عدم وجود قطاع مصرفي فعال، وغياب أي سياسة واضحة بالنسبة لحركة رؤوس الاموال، والسياسة النقدية وسعر الصرف والسياسة الضريبية….

 

قلة تغامر

 

قلّة من المستثمرين ترى ان اقتصاداً جديداً يولد في لبنان، ويؤمنون بان التوقيت الحالي مناسب للاستثمار وان التغيير آتٍ لا محالة في المستقبل القريب. في مقابل غالبية من المستثمرين فقدت الأمل بلبنان وحكامه، وتعتبر ان البلاد التي تشهد أسوأ انهيار مالي واقتصادي، لا مستقبل فيها طالما تديرها الطبقة السياسية نفسها.

 

أغلب الاستثمارات التي شهدها لبنان منذ اندلاع الازمة اواخر العام 2019، اتجهت نحو قطاع الصناعة وخصوصاً صناعة الادوية التي يشهد قطاعها خللاً تجارياً كبيراً بحيث يستورد لبنان سنوياً أكثر من مليار دولار، وينتج أدوية بحوالى 300 مليون دولار فقط، بالاضافة الى صناعة المواد الغذائية بعدما أدى انهيار سعر الصرف الى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وتراجع استهلاكهم للسلع المستوردة، ما أدى الى نمو وازدهار قطاع الصناعات الغذائية مع تحوّل شرائح من المستهلكين نحو الانتاج المحلي الاقلّ كلفة.

 

300 مليون دولار عبر مؤسسة «إيدال»

 

استطاع قطاع صناعة الادوية والمواد الغذائية، جذب حوالى 300 مليون دولار من الاستثمارات عبر المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات (إيدال) خلال العامين الماضيين، وفق ما اعلنه رئيس المؤسسة مازن سويد.

 

وأحدث استثمار في القطاع الصناعي هذا العام والذي تم بالتعاون مع إيدال، تم الاعلان عنه في تموز الماضي، هو إنشاء أهم مصانع الأدوية في منطقة الشرق الأوسط في منطقة الغسانيّة جنوب لبنان، من قبل مجموعة اغترابيّة استثماريّة بقيمة نحو 50 مليون دولار. اما في العامين 2021 و 2022، فقد اوضح المستشار في ايدال عباس رمضان لـ»نداء الوطن» انه تم انشاء مصنع للادوية في الشمال بقيمة استثمارية بلغت 15 مليون دولار، وآخر في الجنوب بقيمة 35 مليون دولار، وواحد في منطقة زحلة في البقاع بقيمة إستثمارية بلغت 140 مليون دولار. كاشفاً عن تعاون جديد في طور التحضير هذا العام مع ايدال لانشاء مصنع للعصير agrifood.

 

إحصاءات لمصانع من مختلف الأحجام

 

وفق احصاءات وزارة الصناعة وهي الجهة المسؤولة عن منح تراخيص لانشاء مصانع جديدة، فقد بلغ عدد التراخيص المتعلقة بانشاء واستثمار مصانع جديدة 98 رخصة في 2020، و112 رخصة في 2021، (احصاءات 2022 لم تجهز بعد) موزعة بين 117 رخصة في جبل لبنان، 25 في بعلبك الهرمل، 31 في البقاع، 33 في النبطية، 31 في لبنان الجنوبي، 8 في بيروت، و 9 في لبنان الشمالي وفي عكار 2.

 

وقد استقطب قطاع صناعة المواد الغذائية 101 مصنع جديد والصناعات الكيماوية 61، المطاط والبلاستيك 13، منتجات المناجم والمقالع 9، مواد منجمية 5، صناعة الآلات 10، استخراج وتوزيع المياه 20، صناعة المعادن الاولية 3، صناعة الورق 2، صناعة ادوات وتجهيزات مختلفة 13، المنتجات النسجية 4، النشر والطباعة ووسائل الاعلان 4، منتجات كهربائية ومعدنية 2، واعادة تصنيع 1، مواد بناء 10، صناعة مفروشات وخشب 6، صناعة الجلود 2، انتاج آلات ومعدات كهربائية 5.

 

بوشكيان: الصناعات الغذائية والدوائية اولاً

 

في هذا الاطار، اوضح وزير الصناعة جورج بوشكيان ان حوالى 400 مصنع جديد تم افتتاحها في الاشهر الثمانية الماضية معظمها متخصصة بانتاج المواد الغذائية agrifood أوّلاً والادوية pharmaceutical، مؤكداً لـ»نداء الوطن» ان وضع القطاع الصناعي بـ»ألف خير» وانه يتم التعويل عليه اليوم لرفد الاقتصاد. موضحاً ان العجز التجاري وتقليص حجم الاستيراد واستبداله بالانتاج المحلي مسار طويل يحتاج الى مزيد من الوقت «رغم ان تفعيل الصناعة وافتتاح مصانع جديدة في لبنان ساهما الى حدّ ما في خفض فاتورة الاستيراد». كما اوضح بوشكيان ان حجم الصادرات الصناعية تأثر بشكل لافت نتيجة توتر العلاقات مع السعودية التي كانت سوقها تستحوذ على نسبة كبيرة من الصادرات الصناعية اللبنانية، كاشفاً عن سعي مع المملكة لايجاد حلول لعودة العلاقات التجارية بين البلدين الى سابق عهدها.

 

عقل: معامل لصناعة المجوهرات

 

بدورها، اكدت المديرة العامة لوزارة الصناعة شنتال عقل لـ»نداء الوطن» ان جائحة كورونا أدت مع انتشارها الى افتتاح معامل لصناعة الكمامات ومواد التعقيم لكنها سرعان ما عادت لتقفل ابوابها مع انتهاء الجائحة. مشيرة الى ان «المصانع الجديدة التي تم انشاؤها في العامين الماضيين متخصصة بمواد التنظيف بشكل اساسي والمواد الغذائية، في حين تم افتتاح في الآونة الاخيرة، معامل لصناعة المجوهرات»، مما قد يفسّر الزيادة المضاعفة في حجم واردات الذهب من 592 مليون دولار في النصف الاول من العام 2022 الى مليار و 144 مليون دولار في النصف الاول من 2023.

 

معكرونة وتدوير زجاج ونايلون

 

ومن الصناعات الجديدة التي ظهرت او ازدهرت في لبنان مؤخراً نتيجة الازمات المتلاحقة، بموازاة الصناعات الغذائية وصناعة الادوية، صناعة مواد التنظيف والتعقيم، صناعة المعكرونة ( pasta ) حيث تم انشاء 4 مصانع لانتاج الباستا اللبنانية، بالاضافة الى افتتاح 5 مصانع لاعادة تدوير الزجاج والنايلون بعدما اتخذت وزارة الصناعة قراراً يقضي بعدم السماح بتصدير تلك المواد الى الخارج والاستفادة منها محلياً. ولكنّ نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش، اوضح لـ»نداء الوطن» ان زيادة عدد المصانع في قطاع معيّن وبنسبة كبيرة على غرار صناعة مواد التنظيف، لا يصبّ دائماً في صالح القطاع الصناعي لان صناعة أصناف موجودة بكثرة في السوق، تؤدي الى زيادة المنافسة على حساب الجودة بين المصانع وبالتالي تتسبب بوقوع المصانع نفسها بخسائر كبيرة.

 

بكداش: طفرة استثمارات من دون دراسات جدوى

 

واوضح بكداش ان غالبية المصانع الجديدة، متخصصة بالمواد الغذائية ومواد التنظيف ومستحضرات التجميل (شامبو وغيره…) وأصبح رواج تلك السلع في السوق المحلي يدفع بعض المستثمرين الى انشاء مصانع لانتاج تلك السلع من دون اجراء دراسة جدوى، ومن دون الاخذ بالاعتبار حجم السوق وحاجاتها والتأكد من امكانية منافسة المنتج المصنّع في الاسواق المحلية والخارجية، ومن دون التنسيق مع وزارة الصناعة. كاشفاً عن سعي نحو تفعيل التنسيق بين الوزارة وجميعة الصناعيين في هذا الاطار، لتوجيه الاستثمار في القطاع الصناعي نحو القطاعات التي تحتاجها السوق المحلية والتي يمكن ان تنافس في الداخل والخارج من دون «ضرب القطاعات المماثلة الاخرى».

 

علامات عالمية

 

وشرح بكداش ان التحوّل اليوم في القطاع الصناعي يتّجه نحو استقطاب العلامات التجارية العالمية وتصنيعها محلياً في المصانع اللبنانية على غرار ما قامت به شركة «نستله» التي تقوم بتصنيع منتجاتها في مصانع «غندور»، وأحد مصانع المعكرونة الذي سيفتتح قريباً والذي سيقوم بتصنيع معكرونة بعلامة تجارية أجنبية، وغيرها من العلامات التجارية التي باتت تصنع محلياً.