IMLebanon

الثابت والمتغيّر في مقابلة الرئيس الحريري

 

التحديق في قسمات الرئيس سعد الحريري،أو الإغراق في التحليل السيكولوجي والتفتيش عن غير المألوف في تفصيل من هنا أو من هناك لم يكن ضرورياً لاستنتاج ما هو استثنائي في إطلالة الرئيس.

الإستقالة وما تلاها يفترضان أن تكون المقابلة التلفزيونية بما قدّمت وبما بقي طيّ الكتمان إستثنائية وغير مألوفة. القلق الذي أمكن قراءته في وجه سعد الحريري عكسَ بوضوح المغامرة العالية المخاطرة التي انطوت عليها الإستقالة، والتي تُنذر مفرداتها الإقليمية بدقة النتائج المترتبة عليها.

تكمن المغامرة في فشل الصدمة في لجم حزب الله ومضيّه في الإستسلام لجموح الحرس الثوري الإيراني، أو ربما من الأصوب القول، فشل الصدمة في جعل القادة في إيران يستشعرون مخاطر انفجار الساحة اللبنانية في وجه حليفهم وخروج الأمور عن السيطرة. أجل… فتسويات الوقوف على حافة الهاوية أنهكت اللبنانيين على اختلاف إنتماءاتهم، وأسقطت كلّ شيء لصالح مشروع عسكري مذهبي يريد الثأر من كلّ من يختلف عنه في المعتقد واللغة والعرق والتاريخ وأحياناً يريد الإنتقام من التاريخ نفسه.

فريق الحكم في لبنان الذي تعاطى بشكل بوليسي مع الإستقالة وظروف الإكراه المحيطة بها محاولاً تدويلها ومتجاهلاً مضمونها ، آثر الإمعان في المبارزة بين الفريق المقيم في بعبدا وحارة حريك والفريق المقيم في الرياض، جرياً على القاعدة التي رافقت التسوية الرئاسية وأسلوب الحكم الذي أوصل لبنان الى هذا المأزق. هذا ما يفسّر تجاهل مضمون الإستقالة والإصرار على البحث عن الشريك المتنازل دائماً، واستثمار الحدث لتوجيه المزيد من اتّهامات الإكراه والإحتجاز للمملكة العربية السعودية. ثم كيف يمكن فهم عدم بث تلفزيون لبنان الرسمي للمقابلة التلفزيونية التي من المؤكّد أنّ وزير الإعلام المنتمي الى كتلة القوات اللبنانية ليس المسؤول عن ذلك!!! إلى جانب امتناع المحطات التلفزيونية المتحالفة مع حزب الله عن نقلها؟ وما هو المغزى من تزامن المقابلة مع إتصال المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية بأحد المحطات التلفزيونية لنقل معلومات مؤكّدة «وفقاً لزعمه» عن تعرّض لبنان لضربة قوية وإنّ المشهد يشبه عشية عدوان 1982، ليتراجع بعد ذلك بساعات عما صرّح بحجة إنّ كلامه تمّ اجتزاؤه؟

الثابت في حديث الرئيس الحريري هو التأكيد على البعد الإقليمي للتسوية الرئاسية في لبنان التي قضت بربط النزاع حول سلاح حزب الله وحول الموقف من الصراعات الإقليمية. لم تكن المرة الأولى التي يعتبر فيها حزب الله أنّ موقعه في أي معادلة هو حيث يقف، وإنّ مكتسباته غير قابلة للمناقشة، لذلك استمر في إسقاط وزنه الإقليمي على كلّ المعادلات الداخلية. ما تغيّر ليس الطابع الإقليمي للتسوية بل الظروف التي أُنتجت في ظلّها، بعد أفول داعش عن المسرح الإقليمي وبروز ملامح انتهاء صلاحية الإسلام السياسي المسلّح ومعها مرحلة الحروب بالوكالة، على خلفية ملامح التسويات الدوليّة على يدّ كبار اللاعبين.

إعلان الرئيس الحريري إمكانية العودة عن الإستقالة مع تحسين شروط التسوية لا تبدو منسجمة مع ما عناه رئيس الجمهورية بأنّ التسوية لا تزال قائمة. موقف الولايات المتّحدة الأميركية والإتّحاد الأوروبي المحذّر من التدخلات في الشؤون اللبنانية، وموقف فرنسا على لسان وزير خارجيتها الداعي الى عدم التدخل الإيراني في لبنان واعتباره شرطاً لاستقرار المنطقة عشية زيارة الوزير جبران باسيل لفرنسا، يقابلها موقف حزب الله المصرّ على إسقاط المعادلة اللبنانية على الإقليم وتجاهل المتغيّرات الإقليمية والدوليّة.

إختلاف الثابت والمتغيّر لدى كلّ من دولة الرئيس وحزب الله يضع لبنان على حافة الدخول في أزمة سياسية مفتوحة. فمن يتحمّل أمام اللبنانيين مسؤولية إطلاق رصاصة الرحمة على التسوية السياسية؟