IMLebanon

رجع الصدى الإيراني من نيويورك إلى… كيفون

 

 

تمتد أصوات الأواني المستطرقة التي تختزن التأزم العسكري والسياسي في الخليج من اليمن إلى طهران وبغداد ونيويورك وبيروت والكثير من العواصم، بعد موقعة “أرامكو” في 14 الحالي.

كان لافتاً أن بيان “لقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية”، الذي يتزعمه “حزب الله”، أشاد الإثنين “بمبادرة الأمين العام لـ”الحزب” السيد حسن نصرالله لوقف الحرب في اليمن”. تجاهل البيان أن المبادرة جاءت من مهدي مشيط، رئيس المجلس السياسي التابع للحوثيين، يوم الجمعة بالاستعداد لـ”وقف كل أشكال استهداف الأراضي السعودية مع الاحتفاظ بحق الرد”. وإذا كان نصرالله واكبه أو سبقه في اليوم نفسه بإسداء “النصيحة” كما قال، إلى السعودية والإمارات بأن “الأقل كلفة الذي يحمي المنشآت والبنية التحتية فيهما هو وقف الحرب على اليمن كي لا تضطرنا لشراء منظومة دفاع جوي جديدة”، فإن مشيط لم يتأخر عن طرح اقتراحه. يثبت كل ذلك أن الإدارة السياسية للحوثيين فضلاً عن الإدارة العسكرية تمر بالضاحية الجنوبية لبيروت، وتتولى صعدة نقل الصدى.

 

هرمية الإمرة

 

تسلسل المواقف يوضح هرمية الإمرة. السيد نصرالله ينتقد الجمعة من تضامنوا مع السعودية ويطالبهم بإدانة استهداف التحالف العربي لليمن. الإثنين يرجع الصدى في بيان “لقاء الأحزاب”.

 

ولم يكذّب وزير الخارجية جبران باسيل خبراً هو الآخر حين برر ليل الثلثاء على “إل. بي. سي. آي” عدم استنكاره والرئاسة الأولى العدوان على “أرامكو” بالقول إنه لو فعل لكان عليه أن يدين استهداف مستشفى في اليمن، وإنه لم يتم إثبات أن القصف على السعودية انطلق من إيران. وهو لم يأبه للغضب السعودي من مراعاته إيران والحزب.

 

وبالعودة الى كل جولة تفاوضية حول الصراع الدائر في اليمن، في الكويت أو غيرها، كان نصرالله يستبق نتائجها فيحدد الموقف علناً ويعلن رفض الوفد الحوثي ما كان يصفه بخطوات “الاستسلام”، ليرفض الحوثيون في الجلسات المغلقة ما يطرح عليهم من اقتراحات.

 

لم تكن المرة الاولى التي يبدي الحوثيون استعدادهم لوقف النار بالتزامن مع حدث ما. اعلنوها عشرات المرات منذ احتلالهم صنعاء العام 2014. وفي كل مرة تحرك الموفد الدولي إلى اليمن مارتن غريفيث وسلفه اسماعيل ولد الشيخ كان سبب استجابة الحوثيين لهما رغبة في استيعاب ضغط عسكري من الشرعية اليمنية والتحالف العربي، أبرزها حين اشتد هجوم قوات التحالف على الحديدة خريف العام 2018، ما أجبر طهران على الخروج عن نأيها بنفسها فعرضت تقديم المساعدة للجهود السلمية. لكن في كل هذه المحطات كان الحوثيون يزدادون تسليحاً من إيران عن طريق ميناء الحديدة وغيره، ثم يعودون إلى التصعيد العسكري، باستهداف جازان ونجران ومطار أبها والرياض وناقلات النفط الخليجية والأجنبية، واحتجاز غيرها وقصف منشآت نفطية على مدى السنتين الماضيتين… وصولاً إلى الاعتداء على أرامكو في 14 الحالي.

 

ولربما كانت المرة الوحيدة التي ظهر خلالها “حزب الله” أقرب إلى الصمت هي مفاوضات السويد حول إخلاء الحوثيين والجيش التابع للشرعية الحديدة ومرفئها. وتفسير ذلك هو تزامن تلك المفاوضات مع الوساطتين العُمانية والسويسرية بين واشنطن وطهران، اللتين ما لبثتا أن انهارتا نتيجة إصرار الثانية على ما يسميه الرئيس حسن روحاني “وقف النار الاقتصادي” أي إلغاء العقوبات قبل التفاوض، وتمسك الرئيس دونالد ترامب بعدم التخلي عنها إلا بعد انتهاء المفاوضات. ومع انهيار الوساطات انهار اتفاق السويد.

 

التصعيد بالتطورات السياسية

 

وإذا كان لكل محطة من إعلان الاستعداد الحوثي لوقف النار ظروفها، فإن معظمها خلال العام 2019 مرتبط بتصاعد العقوبات الأميركية على طهران. ويمكن الإشارة إلى الآتي في ربط التصعيد بالتطورات السياسية، من الماضي القريب:

 

١- تناغم اشتداد القصف على الأراضي السعودية مع استهداف الناقلات حين اضطر وفد الحوثيين برئاسة محمد عبد السلام الى موسكو في تموز الماضي الى إعلان الاستعداد لوقف النار من موسكو أثناء زيارة وفد “أنصار الله” لها.

 

٢- إسقاط الطائرة المسيرة الأميركية في بحر عمان تزامن مع تسرب نبأ محادثات مباشرة بين واشنطن والحوثيين في شهر آب الماضي، وسط تكهن بأن بعض القيادة الحوثية يتردد في مواصلة استهداف السعودية باسم تنظيم “أنصار الله”. وفلسفة واشنطن في الانفتاح على الحوثيين هي أن “علينا التحدث مع كل الأطراف للسعي إلى الحل السياسي” وفق ما أبلغ مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر بعض محدثيه اللبنانيين أثناء زيارته بيروت قبل 10 أيام. وسبق وتبع تسرب الخبر في “وول ستريت جورنال” المزيد من القصف على منشآت عسكرية في المملكة.

 

بأي حدث يمكن ربط استهداف “أرامكو” باعتباره تحولاً جوهرياً في المواجهة الكبرى الدائرة في الخليج منذ سنوات؟ إضافة إلى فرضية علاقته بالاجتماع الأميركي – الحوثي، تتعدد التكهنات. هل هو متصل بمحطة التفاوض المُحتملة في الأمم المتحدة في نيويورك؟ أم هو استباق لسعي إسرائيل إلى تغيير قواعد الاشتباك عبر الارتقاء باستهدافها أذرع طهران في العراق وسوريا ولبنان، في وقت تنشغل الدولة العبرية بأزمة العجز عن تشكيل حكومة بعد الانتخابات؟

 

التجارب السابقة لا تنبئ بعكسها. نصرالله مهد لتجدد الضربات الإيرانية في الخليج بقوله إن ضربة “أرامكو” اصابت نصف إنتاج النفط “وضربة ثانية تخبزوا بالأفراح”. هو يواكب عرض الرئيس روحاني الذي وعد بتقديمه في الامم المتحدة، بأن تشارك كل دول الخليج بما فيها بلاده مع الأمم المتحدة، في حفظ أمنه ومضيق هرمز تماماً كما كانت الحال في عهد الشاه. وهو أمر يستبعد أن تقبله دول الخليج في ظل موازين القوى الحالية. فالإغراء الذي يسعى روحاني إلى ترويجه يقوم على الاستعداد لتنازلات في الاتفاق على النووي بعدما ثبت أن خوضه الحروب بسلاح “الفقراء” أي بالطائرات المسيرة وصواريخ “كروز” الموجهة يغنيه عن أي سلاح نووي لإلحاق الضرر بجيرانه. وبين حدي التفاوض والتصعيد يواكب نصرالله أيضاً استعراض القوة عن طريق المناورات العسكرية التي بدأها “الحرس الثوري” من الأحد الماضي تحت شعار “الدفاع المقدس” وتمتد 20 يوماً مع مشاركة روسية وصينية في بحر عمان والمحيط الهندي مع أنها لن تشمل مياه الخليج.

 

هل صدفة ان يجري مناصرو “حزب الله” الأحد الماضي شبه مناورة وعرضاً عسكرياً مصغراً بأسلحة فردية بعضها بلاستيكية في بلدة كيفون الشيعية في قضاء عاليه، إحياء لذكرى عاشوراء التي كان مضى عليها أكثر من 10 أيام؟

 

رجع الصدى يحتاج الى أكثر من الصدف.