IMLebanon

الهدنة الجنبلاطية… وخط الزلازل من دمشق إلى بيروت

 

يُدرك رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط أكثر من غيره من السياسيين أن هناك أمراً ما تغير في اللعبة الداخلية لذا فإن المراقبة الآن أفضل من الهجوم غير المبرمج.

 

عاد جنبلاط إلى شعاره الأول منذ اندلاع الحرب السورية وهو “أجلس على ضفة النهر أنتظر جثة عدوي لتمرّ”، وهذا الشعار كان منذ العام 2012 محطة إنطلاق سياسة جنبلاط المعادية للنظام السوري، بعد الصلحة التي عُقدت مع “حاكم دمشق” كما يحلو له أن يسميه، قبل أن يعود الوضع وينفجر بعد انطلاق الثورة السورية.

 

يدرس جنبلاط كل تقلبات المرحلة وما يحدث، وهو الذي تحدّث أخيراً عن حرب إقتصادية أميركية – إيرانية يدفع ثمنها الشعب اللبناني وليس “حزب الله”، مستعملاً بذلك شعار الراحل غسان تويني الذي وصف الحرب اللبنانية بأنها حرب الآخرين على أرض لبنان. وفي النتيجة فإن جنبلاط الذي يدرك ما يحصل في المنطقة يعلم جيداً أنّ المحور السوري – الإيراني يتراجع لكن من دون أن يُوقّع على وثيقة الإستسلام، لكن في المقابل لم يلمس عملياً أي تقدّم للمحور العربي أو إنه يثق بالسياسات الأميركية التي تعمل وفق المصالح لا المبادئ.

 

ولعل تطورات سوريا والعراق، خصوصاً مع الحديث عن تباين بين روسيا وإيران على أرض سوريا وسعي موسكو إلى تقويض النفوذ الإيراني في الشام، تجعل زعيم المختارة يراقب أكثر تطورات الوضع مع الإبقاء على الحذر لأنه هو أكثر من يعلم بلعبة الأمم وبأن الدول الكبرى تبيع وتشتري، ولبنان معروض دائماً في سوق البيع والشراء.

 

ليس للمختارة علم متى ينتهي الكباش على أرض سوريا، لكنها تدرك أن أي نتيجة ستؤثر سلباً أو إيجاباً على لبنان، في ظل الحديث عن تقاسم النفوذ بين أميركا وروسيا، إذ إنّ سوريا لروسيا ولبنان للأميركيين، وهذا ما يدفع جنبلاط إلى تقوية علاقته بموسكو، حيث كان من المقرر أن تتكثّف الزيارات إلى هناك لولا إنشغال المسؤولين الروس بأزمة “كورونا”، فنسج العلاقات مع موسكو سيؤثر إيجاباً على وضعية الدروز في سوريا ولبنان. وفي ظل الحديث عن الأزمات المتلاحقة التي ستضرب لبنان، وبغضّ النظر عن نية جنبلاط السياسية من خلال علاقته مع العهد العوني و”حزب الله”، إلاّ أن الأخير إختار التهدئة ليس فقط وأداً للفتنة، بل للإنصراف إلى تحصين جماعته في الجبل وعدم الدخول في المعارك السياسية التي لا توصل إلى مكان في ظل ميزان القوى الموجود على الأرض.

 

“أمن الجبل”، هذا هو الشعار الذي يحاول تطبيقه جنبلاط، فالأمن هنا لا يعني الأمن بمفهومه التقليدي، فهناك أولاً الأمن الأمني أي منع أي إحتكاكات أو فتن في منطقته، حيث لا يرغب في تكرار تجارب حروب الجبل المتنقلة منذ مئات السنين، لأنه لا يريد أن يحلّ بالدروز ما حلّ بموارنة لبنان أثناء الحرب حيث خسروا الكثير من خيرة شبابهم وتقلص وجودهم الديموغرافي، كذلك لا يرغب في أن يكون مصير الدروز مثل مصير علويي سوريا الذين فقدوا الكثير من الشباب في الحرب الأخيرة، علماً ان معدل الولادات عند كل من الدروز والمسيحيين والعلويين منخفضة.

 

أما النقطة الثانية في الأمن، فهي أمن الجبل الصحي، حيث يراهن جنبلاط على وعي الأهالي في مواجهة “كورونا”، علماً أن هذا الفيروس طرق أبواب الشوف من مدخل إقليم الخروب وبات يهدد باقي القضاء.

 

ويبقى الأمن الإجتماعي والإقتصادي في سلم أولويات المختارة، وفي السياق كان جنبلاط أول من تحدث عن العودة إلى الارض في الشتاء ودعا الناس إلى الزراعة وتأمين الإكتفاء الذاتي، خصوصاً أنه تحدث بالأمس عن ثورة الجوع التي ستضرب لبنان.

 

وأمام كل هذه الوقائع يحاول جنبلاط الضغط للإستعانة بصندوق النقد الدولي من أجل تسريع الحلول ووقف الإنهيار، مع أن المؤشرات تدل على أن الوضع بات كارثياً، وتحذيرات جنبلاط مستمرة في هذا الإطار وسط عدم رضى عن الخطط الحكومية وطريقة معالجة الحكومة للأزمات المتلاحقة.