IMLebanon

“حزب الله” في قراءة هادئة لحادثة الكحّالة: عرضيّة وانتهت

 

بعد انقلاب الشاحنة بساعات قليلة سعى «حزب الله» الى تطويق حادثة الكحالة. فمنذ اللحظة الأولى أرسل يطلب رافعة لنقل الشاحنة بعد تفريغ حمولتها، ونزلت العناصر المواكبة طالبة عدم الإقتراب منها وأبلغت عناصر البلدية أنّ الشاحنة تابعة لـ»حزب الله» وستتم معالجة الموضوع. لكن كان انتشار الخبر أسرع من المعالجة فتجمّع الناس وبدأ البعض رمي الشاحنة والعناصر بالحجارة. أطلق عناصر «الحزب» النار في الهواء بداية، فحصل إطلاق نار في المقابل، ما أودى بحياة مواطن من الكحالة وعنصر لـ»حزب الله». تلك هي رواية «حزب الله» لحادثة الكحالة التي رغم كل الإستثمار السياسي الذي أحاطها يعتبرها «حادثة عرضية».

 

وفي روايته أيضاً، يؤكد «الحزب» أنّها ليست المرة الأولى التي تمر فيها شاحنات من هذا النوع على طريق الكحالة الدولية لتكمل طريقها في اتجاه الجنوب. وهي واحدة من آلاف الشاحنات التي تعبر لولا أنّها انقلبت، والمتعارف عليه أنّ لدى «الحزب» ذخيرة وأسلحة انطلاقاً من دوره كمقاومة لإسرائيل، وهذا عمل تمرس عليه منذ عام 1982 غير أنّ المستجد هو حجم التحريض الذي يربطه «حزب الله» بقرار أميركي واضح وصريح ولا ريب فيه.

 

فالمطلوب عند وقوع أي حادثة التركيز على وجود دور لـ»حزب الله» فيها حتى ولو كانت إرتكبت لخلفيات شخصية، كما حصل في جريمتين بارزتين وقعتا منذ فترة غير بعيدة لم تعلن نتائج التحقيق في شأنهما بعد، و»الأرجح أنها لن تعلن».

 

وليس على خلفية حادثة الكحالة وحدها، يلمس «حزب الله» وجود مناخ معادٍ له ومحاولة ربط كل التطورات والأحداث باسمه بدليل جريمة عين ابل التي وجهت أصابع الإدانة نحوه سياسياً لمجرد أنّه موجود في المنطقة، وقبلها كان يتهم بالصواريخ التي تطلقها الجماعات الإسلامية على الحدود في اتجاه فلسطين المحتلة. ويرفض «الحزب» الإتهامات التي تطاله كلما وقعت حادثة وتصويره على أنّه الفاعل «خلافاً للحقيقة»، ويدرج ذلك في إطار مواجهة طويلة بينه وبين فريق يريد لو اقتصر القرار عليه أخذ البلد والانزلاق به نحو خيارات أخرى يتم التصدي لها منذ عام 2006. مذاك يقول «حزب الله»، كان الهدف ضرب ايران أو سوريا أو «حزب الله». فشلت محاولة ضرب سوريا وإيران فكان الهدف تشويه صورة «الحزب» لأنه يتصدى لهم.

 

من ضمن المآخذ على «الحزب» أنّ الحادثة أظهرت بلا لبس أنّه لا بيئة حاضنة له ولسلاحه، وهي مقولة يرفضها محيلاً الأمر الى الانتخابات النيابية ونتائجها. وكشف أنّ ما حصل عمّق المواجهة بأبعادها بين فريقين لبنانيين لا ثقة تحكم علاقتهما. وعن هذا الموضوع تقول المصادر عينها «الخطأ أنهم يتصرفون وكأنّ «حزب الله» أداة لإيران، ونحن نتصرف على أنّهم عملاء لأميركا، وجماعة التطبيع»، مسلماً بوجود «خلاف سياسي عميق» وتجييش تسبب بـ»عراضات سياسية مفتعلة لن تمنعه من مواصلة عمله». فما حصل على رغم فداحة ما انتهى إليه «لن يؤثر في «حزب الله» ولن يثنيه عن نقل السلاح للمقاومة».

 

كان الغريب حيال ردود الفعل على الحادثة أن يخرج من بين المنتقدين من يوجّه سهامه باتجاه الجيش اللبناني وعناصره، على الرغم من أنّ وجوده جنّب البلد الإنزلاق إلى تداعيات خطيرة. من وجهة نظر «الحزب» أدى الجيش دوراً ممتازاً حيث نجح في امتصاص الحادثة وفصل الناس عن الشاحنة وأمّن نقلها بمحتوياتها التي لا تزال في عهدته. تقدير دور الجيش والقيادة العسكرية العالي يرفض «حزب الله» استثماره في رئاسة الجمهورية والربط بين ما قام به وانتخابات الرئاسة لا يجوز، فلا الجيش تصرف منطلقاً من هذا الاعتبار ولا التعاون الذي أبداه والحزم وتعطيل مفاعيل الحادثة وفتح الطريق كانت كلها بدوافع رئاسية.

 

تثمين دور الجيش يقابله أسف يكتنزه «حزب الله» ويتحفظ في الإنخراط بالحديث عنه، لتعامل «التيار الوطني الحرّ» والمواقف التي صدرت عن مسؤولين فيه، وبالرغم من معرفة «الحزب» في وقت لاحق أنّ فادي بجاني، كما غالبية أهالي الكحالة موالون للتيار، فهو يعتبر أنّه كان بالإمكان تلافي ما حدث بالتنسيق وليس بالإنسياق خلف الأجواء المعادية انطلاقاً من تصريحات سيزار ابي خليل إلى ناجي حايك، وصولاً إلى موقف رئيس «التيار» جبران باسيل الذي غمز فيه من قناة ترشيح «الحزب» سليمان فرنجية ومسألة الوحدة الشيعية، قائلاً «أهميّة ان تكون المقاومة محتضنة من الشعب اللبناني، والا بتفقد مناعتها وقوّتها، بيحمي لها ظهرها شعب مش شخص»، والذي استدركته تدوينة لرئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون، أكد خلالها أنّ «المطلوب اليوم هو التهدئة بدل التحريض، ومدّ جسور الثقة بدل بثّ سموم الكراهية، وانتظار نتائج التحقيق».

 

لكنه عتب لن يلغي حقيقة أنّ التفاهم مع «التيار» ساعد «الحزب» وأنّ له بيئة التقى معها على معايير وطنية موحدة. ورغم كل ما شهدته الساعات الماضية يرغب في مدّ جسور التفاهم مع «التيار» ورئيسه مجدداً، كما مع بقية الطوائف، ولكن ليس على حساب القرار الإستراتيجي بدعم المقاومة.

 

وتؤكد المصادر المقربة أنّ ما حصل لن يؤثر في نية «الحزب» في إعادة التقارب مع «التيار» على أعلى المستويات ولا توقف المفاوضات حول الرئاسة، وتختم قائلة «القصة انتهت لأنها عرضية وإن جرت فيها محاولة الاستثمار في الدم من قبل بعض السياسيين، ولكن الموضوع انتهى وليس لـ»حزب الله» أي نية للدخول في إثارة الحساسيات أو الخلاف مع أي جهة سياسية، ولن يؤثر على علاقته بـ «التيار» أو بغيره من القوى السياسية».