IMLebanon

الفرصة الأخيرة للإصلاح وإنقاذ العهد

 

 

قرأت قبل أيام معدودة كلاماً منسوباً للرئيس ميشال عون مفاده أنه ينتظر تشكيل الحكومة من أجل إطلاق حملة ضد الفساد، والشروع في تنفيذ خطة إصلاحية واسعة تشمل جميع مؤسسات الدولة، وبأن الحكومة الجديدة ستلتزم بكامل أعضائها بالخطة الإصلاحية المزمع وضعها وإعلانها. يذكرني هذا الكلام بانطلاقة مسيرة العهد الشهابي الأول، والذي ارتكز على التمسك بالنصوص وفق ما هي واردة في «الكتاب». والكتاب هنا كما عناه الرئيس فؤاد شهاب هو الدستور، والقوانين الأساسية للدولة اللبنانية.

ندرك جيداً أن الرئيس عون تسلّم زمام السلطة في 31 تشرين أول عام 2016 بعد مأزق سياسي استمر لفترة سنتين وخمسة أشهر بسبب الفراغ الحاصل في سدة رئاسة الجمهورية، حيث أصيبت جميع مؤسسات الدولة بحالة من الشلل، وفي ظل الانقسامات الحادة حول الحرب الأهلية السورية الدائرة منذ خمس سنوات، والتي تدفق من جرائها ما يزيد عن مليون ومائتي ألف نازح سوري إلى لبنان.

استمر الرئيس عون طيلة الفترة التي سبقت وصوله إلى الرئاسة في إطلاق الوعود بالإصلاح والتغيير وبمحاسبة المسؤولين عن الفساد ونهب المال العام. وكان من المفترض عند انتخابه رئيساً أن يكون قد بلور خطته الخاصة، مع كل برامج مشاريعه الإصلاحية التي طرحها خلال السنوات الطويلة بانتظار تحقيق حلم الرئاسة. لكن يبدو بأن كل تلك الوعود لم تتجاوز كونها شعارات «طنانة»، حيث لم يجر أي عمل جدي بهذا الخصوص.

من المؤكد أننا لم ننتظر من الرئيس عون القيام بثورة لتغيير الأوضاع المتردية للدولة منذ عقود، خصوصاً في ظل إدراكنا للتوازنات التي فرضها دستور الطائف، وتوزيعه للصلاحيات بين المؤسسات. ولكننا كنا ننتظر ونتوقع من الرئيس عون أن يتعاون مع رئيس الوزراء سعد الحريري، مستفيداً من التسوية التي سهلت انتخابه من أجل إطلاق ورشة الإصلاح على مستوى الأداء السياسي العام لمجلس الوزراء وداخل الوزارات، وعلى مستوى المؤسسات العامة والإدارة. لم نتوقع من العماد عون القيام بثورة لتغيير أوضاع الدولة المتردية، بل العمل بجدية على تغيير الأمور داخل جميع المؤسسات العامة بصورة طبيعية وتدريجية وتراكمية. كان المفترض أن تبدأ هذه العملية مع الحكومة التي شكلها الرئيس سعد الحريري، وعدم انتظار الحكومة الثانية للعهد والتي ما زالت ولادتها متعثرة بعد ثلاثة أشهر من التكليف.

انتظر اللبنانيون من «الرئيس القوي» أن يباشر فور تسلمه لزمام السلطة العمل على بناء الثقة بين المواطن والدولة من خلال تأكيده على إعادة بناء الدولة الموحدة والمستقرة القائمة على إدارة عصرية، تحكمها ذهنية جديدة، يحركها الحلم والإيمان بإمكانية استعادة الدولة التي خلفها عهد الرئيس شهاب. لكن سرعان ما تراجعت آمال الناس وتبدد حلمهم من خلال الممارسات الفاسدة التي سيطرت على عمل الوزارات والمؤسسات العامة، وما رافقها من صفقات، جرى إقرارها خارج إطار المناقصات العامة، وبشكل مخالف لكل توصيات مؤسسات الرقابة العامة للدولة.

كان من المفترض والمأمول أن يبادر الرئيس عون إلى إعلان نيته لإعادة بناء الدولة الحرة، السيدة والمستقلة، التي لا يتدخل في شؤونها الداخلية أحد، ولا تفرض عليها سياسة المحاور العربية والإقليمية، مع ضرورة إعلان تحييد لبنان عن الصراعات المتفجرة في الجوار وفي المنطقة من خلال التمسك ببنود «إعلان بعبدا» والذي تحوّل إلى وثيقة دولية. ولا ضير للرئيس عون إذا اعتمد هذا الإعلان الذي ورثه عن الرئيس الذي سبقه من أجل حماية لبنان من الانقسامات الداخلية من رياح الحروب الخارجية.

على الصعيد السياسي كان من المفترض والمأمول أيضاً أن يعمل الرئيس عون على جمع القوى السياسية والطوائف حوله، وأن يطالبهم جميعاً بالولاء للدولة، واحترام الدستور والقوانين، وبالعودة إلى الداخل لأنه لا يمكن الاستقواء بالخارج لتحقيق الغلبة على الشركاء في الوطن.

لا يمكن للرئيس عون أن ينجح في تحويل شعارات الإصلاح إلى أفعال إلا من خلال التوافق مع الرئيس المكلف لتسريع تشكيل حكومة قادرة وفاعلة، والانطلاق يداً بيد في ورشة إعادة بناء الدولة.

في رأينا ما زالت الفرصة متاحة أمام الرئيس عون لالتقاط المبادرة شرط أن يتصرف بحكمة وسرعة لوقف هذا العبث السياسي الذي يمارسه أقرب المقربين والحلفاء، وذلك انطلاقاً من حرصه على وحدة الدولة ونجاح عهده في تحقيق وعوده الفضفاضة خلال ربع قرن.

العميد الركن

نزار عبدالقادر