IMLebanon

قانون إسترداد العقول المنهوبة!

 

كنّا في الأول نقول «الحق عالطليان»، وكان هذا القول يجمعنا على اختلاف انتماءاتنا… ومن ثم تفرّقنا، وأصبح قسم منّا يقول «الحق عالإيرانيين»، وقسم آخر يقول «الحق على الخليجيين»، وقسم يقول «الحق عالأميركان» أو «الحق على الفرنسيين»، حتى أصبحنا فعلياً لا نعرف الحق على من، ولا نعرف من نلوم.

 

وتحوّلنا إلى مجتمع خمول في التفكير والتنفيذ، يقصقص الأمثال الشعبية كالبزر أمام شاشة التلفزيون، يتفرّج على الويلات تنهش بلده وتسرق لقمته، وينتظر كلمة زعيمه ليجد فيها مخرجاً من تحمّل مسؤولية التقصير، وهذا بلا شكّ يمنحنا شعوراً بالرضى والاكتفاء الذاتي، لأننا بالأصل أوكلنا أصواتنا إلى أشخاص عديمي المسؤولية، وغير مطلوب منهم سوى الدفاع عن مشاعرنا المتخلّفة في الدين والانتماء والتبعية.

 

وإذا كان الدين أفيون الشعوب، بحسب ما يقول الفيلسوف الألماني كارل ماركس، فالطائفية هي مقصلة الشعوب وحبل مشنقتها. وهذه ليست مجرّد نظرية، وإنما واقع موثّق بحال ملايين الأشخاص الذين يعيشون ضمن أسوار وطن إسمه لبنان. فمنذ نشأة هذا الوطن، اعتاد الشعب المحاسبة فقط على النوايا المضمرة تجاه مشاعره الطائفية والمناطقية والعائلية، دون أن يولي أي اهتمام للجرائم بحقّ حريته ولقمة عيشه وحقوقه وطبيعة حياته.

 

وإذا كانت ارتفعت في الآونة الأخيرة شعارات أبرزها المطالبة باستعادة الأموال المنهوبة لإنقاذ لبنان من الأزمة الاقتصادية والمالية التي تواجهه… فمن الأجدى المطالبة باستعادة العقول المنهوبة لإنقاذ لبنان من الأزمة الوجودية التي تهدّد بزواله. وإذا لم يطالب الشعب نفسه أولاً ومن ثم أحزابه وزعمائه وممثلّيه بتطبيق هذا القانون أولاً وبشكل حصري، فلا جدوى من إستعادة أموال ولا أملاك ولا بطيخ.

 

خلاص لبنان لن يكون ببضعة مليارات مسروقة أو مهرّبة أو مخبّأة تحت الأرض أو في مصارف بلاد الماوماو… لأنّ الخلاص الوحيد هو في استعادة الشعب عقله، التي عرفت الأحزاب الميليشيوية كيف تبني حوله خطوط تماس، وترفع أمامه متاريس وأكياس رمل، وتتلذّذ بقنصه كلّما حاول العبور إلى الضفة الأخرى أو الخروج من الملجأ الذي احتمى فيه هرباً من القصف الطائفي اليومي.

 

وطالما نحن أذكياء، ونعرف كيف نتكلّم في الحرب الباردة بين أميركا وروسيا ونحلّلها، فمن أين سقط علينا كلّ هذا الغباء حتى لم ننتبه إلى الحرب الباردة بين الأحزاب اللبنانية، والتي لا يبغي منها أي طرف شيئاً سوى بقاء حزبه على حساب الوطن والمواطنين. من أين سقط علينا كلّ هذا الغباء حتى بتنا نقتنع بكلام المهرّجين الطائفيين حول المواطنة. من أين سقط علينا كل هذا الغباء حتى اقتنعنا أنّ من سجننا في بضعة أمتار مرصّعة بالإنعزال سيقودنا إلى الحرّية والرفاهية والعيش الكريم.

 

الأموال المنهوبة بتروح وبتجي، ولكن أهمّ شي العقل… فعندما نستردّ عقولنا المنهوبة بالخطابات والشعارات، سنتعلّم الاختيار وفقاً للكفاءة وليس صلة القربة، وسنتعلّم المحاسبة وفقاً للأفعال وليس الكلام المعسول، وسنتعلّم المطالبة بحقوقنا المعيشية وليس المحاربة من أجل عنفواننا الطائفي.

 

لماذا علينا استعادة عقولنا المنهوبة؟ حتى يأتي يوم ونكتشف أنّ جميع الذين نستميت للدفاع عنهم لم يفعلوا لنا شيئاً، ولا أي شيء واحد. فنحن ببساطة وفي العام 2020 نقف طوابير من أجل رغيف خبز، ومن أجل ليتر بنزين، ومن أجل 100 دولار جنيناها بعرق جبيننا، ومن أجل كمّامة، ومن أجل حبّة دواء، ومن أجل فيزا للهجرة، ومن أجل وظيفة ضيّقة على شهادتنا…

 

لماذا علينا استعادة عقولنا المنهوبة؟ حتى نعرف أنّ هؤلاء الذين يعتلون المنابر ويعسلون في الوعود والإنجازات، هم أنفسهم نهبوا كرامتنا وحريتنا وتاريخنا ومستقبلنا، ونهبوا أموالنا وتعبنا وأحلامنا، ونهبوا إبداعنا وذكاءنا وقوتنا.

 

نريد استعادة عقولنا المنهوبة حتى نعرف أنّ الذي يلتفّ حول رقابنا ليست ذراعي الزعيم الحنونة والخائفة على وجودنا، بل حبل مشنقة يخنق حناجرنا عن قول الحقيقة.