IMLebanon

زعيم الخيارات الصعبة

شاءت الظروف أن أتعرّف إلى دولة الرئيس سعد الحريري قبل استشهاد والده المغفور له الرئيس رفيق الحريري، وتحديداً، في أوائل التسعينات، ومنذ ذلك الحين كنت أرى في هذا الشاب الواعد اهتماماً كبيراً بالسياسة.

 الميّزة اللافتة فيه أنّ شخصيته شعبيّة ويحب أن يجالس الكبار والصغار، وكان مقرّباً جداً ومحبوباً من جميع العاملين مع الشهيد، لم نسافر مرة مع الرئيس الحريري إلاّ وكنا نجده أمامنا الى حيث كنا نقصد، كان يسبقنا الى هناك.

وشاءت أقدار سعد الحريري أن يتولّى المسؤولية السياسية وإرث الشهيد السياسي، وكان يعلم أنّ النظام السوري قتل والده، وبالرغم من ذلك وإكراماً لمصلحة لبنان العليا وإكراماً للمغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز ذهب الى دمشق…

ويحضرني في هذه المناسبة أنّه اتصل بي هاتفياً وقال: أمامك 15 دقيقة لتأتي الى «بيت الوسط»، دخلت القصر حيث كان الصمت الرهيب مهيمناً على الحضور… ولا كلمة، سألت الشهيد اللواء وسام الحسن: ماذا حل بكم؟ فلم أتلقّ جواباً، وإثر ذلك دعانا الى الغداء (وهو يحب أن يبدأ طعامه باحتساء «الشوربة»)، تناول الملعقة الأولى وقرّبها من فمه فبدا كأنّ الأكل لا يدخل فمه… استمر الوضع كذلك نحو عشر دقائق، ثم وقف وقال: استأذن أنا متوجّه الى دمشق.

ومضى الى العاصمة السورية.

بعد عودته من دمشق اتصل بي، فسألته: كيف كانت الزيارة؟.. كيف كان الجو… بماذا تحدثتم؟

فلم يجب على أي من الاسئلة تلك، فأدركت أنّه لا يود أن يتحدّث عن الزيارة.

 

موقفي ما يقرره البطريرك

لقد قَبِل أن يتولّى رئاسة الحكومة، كان قد خاض الانتخابات أوّل مرة في العام 2005، والجميع يعرف أنّها تمّت في إطار «الملف الرباعي» (المستقبل – جنبلاط – حزب الله والرئيس بري)، وللتاريخ أنه في العام 2005 وكان الحديث عن التوجّه الى قصر بعبدا لإسقاط اميل لحود، فكان يقول: في هذا الموضوع سيكون قراري ما يريده البطريرك صفير.

وهذه إحدى النقط التي كنت وما زلت أرى أنّ غبطة البطريرك كان على خطأ فيها، ذلك أنّه كان يجب إكمال الانقلاب، وذلك لا يتم إلاّ برحيل لحّود، وهذا لم يحدث فبقينا في نصف انقلاب… وفاتت فرصة مهمّة كان يجب أن تستفيد منها ثورة الارز.

 

الزعيم السنّي الأكبر والانتخابات

محطة ثانية: انتخابات 2009 النيابية، يومها خاض سعد الحريري انتخابات تاريخية ضد «حزب الله»، وأثبت أنّه أكبر زعيم سنّي (منفرداً).

يومها اختلفت معه في الرأي حول لائحة طرابلس، صحيح أنّه نجح في عاصمة الشمال، ولكن اعتراضي كان أنّه لم يكن ثمة موجب لضم عضوين في اللائحة لن أذكر اسميهما الآن… وأثبتت الأيام أنني كنت على حق.

وكان لي رأي مخالف أيضاً بالنسبة الى لائحة زحلة، وقد ناقشته في الأمر، فقد كنت أرى ضرورة الاتفاق مع الياس سكاف، وفي تقديري أنّ سكاف زعيم مسيحي وازن كان مفترضاً أن يكون في المجلس النيابي، أقول من دون الإنتقاص من قدر عضوي اللائحة الكاثوليكيين الآخرين.

 

حكومة ربط النزاع

محطة ثالثة: يوم توجهنا الى لاهاي في افتتاح أعمال المحكمة الدولية، وكان يومها مطروحاً تشكيل الحكومة، وكان الجو كله عدم القبول بالدخول في الحكومة أساساً، ثم أخذ قراراً غير شعبي لأنّ القاعدة الشعبية لم تكن تقبل المشاركة بالحكومة مع «حزب الله».

ولكنه وافق بالرغم من أنّ القرار هو من أصعب القرارات التي اتخذها، وتم التوافق على الرئيس تمام سلام تشكيل حكومة «ربط النزاع من أجل لبنان» كما كان سعد قد قال.

ثم نوعية التشكيلة التي رفض «حزب الله» وميشال عون أن تكون حيادية… وكان سعد يخشى ألاّ يتم التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية فيبقى البلد من دون سلطة (يعني لا رئيس جمهورية ولا حكومة)… فوافق على أن يجلس وزراء «المستقبل» الى جانب وزراء الحزب كي لا يقع الفراغ في السلطة التنفيذية.

وكان أيضاً قد وافق على اللقاء مع ميشال عون، وبناء على طلب عون حافظ على سرية اللقاء، ولكن عون أفشى السر لاحقاً.

شُكِّلت الحكومة… وانتهينا من حكومة اللون الواحد وهي أسوأ حكومة عرفها لبنان… والتي في أيامها تراجع الناتج الوطني من 9% الى واحد في المئة وما دون… ولا نزال نعاني من سيّئاتها حتى اليوم.

ويكفي الحكومة الحالية أنّها تضم نهاد المشنوق وأشرف ريفي وسواهما، وهذا لا يعني تجاهل شخصيات بارزة في «تيار المستقبل» أمثال الرئيس فؤاد السنيورة الذي بقي نحو سنة ونصف السنة في السراي تحت التهديد المباشر… وقد حذره الأمنيون الى تلك المخاطر، ولكنه آثر مصلحة لبنان على أي شيء آخر.

وهناك شخصيات بارزة مثل نادر الحريري وأحمد الحريري من الذين أعطاهم سعد أدواراً بارزة ناهيك بأنّه لم يتخلَ عن أحد من فريق عمل والده وزراء ونواباً وقياديين ومقرّبين لا يتسع المجال الى ذكر أسمائهم فنعتذر عن عدم ذكرهم.