IMLebanon

سقوط النظام وبقاء المافيا؟

 

كان كونفوشيوس يقول: “عندما تفقد الكلمات معانيها، تفقد الناس حرياتها”. لكن ما نحن فيه أخطر: لبنان فقد معناه لكثرة ما لعبت به المافيا السياسية والمالية والميليشيوية الحاكمة والمتحكمة، ودفعته الى ما بعد مسرح العبث والسوريالية داخل تراجيديا. والناس لا تزال تتصرف كأنها لم تفقد حرياتها لمجرد كون الثرثرة والسجالات السياسية مزدهرة. والمافيا لا تزال تحاضر في الإصلاح ومكافحة الفساد وتجريم السطو على المال العام والخاص. الناس تطلب رغيف خبز، فتأتيها الوعود بالقمر. والبلد يطالب بحكومة تقدم الحد الأدنى من الخدمة، فيقال إن المهمة صارت تأسيس نظام جديد.

 

وهذا مشهد يصعب الوصول اليه بالخيال والفانتازيا. فمن العجائب تركيب معادلة قوامها: النظام فاشل، والمسؤولون عن فشله ناجحون. ومن الغرائب سقوط النظام، وبقاء المافيا. والأعجب والأغرب هو الرهان على أن يتفق زعماء العائلات في المافيا على تصور للنظام الجديد وإقامته واستمرار الإمساك بالسلطة فيه. فلا نظام يسقط إلّا بثورة يقودها حزب ثوري يتولى هو إقامة نظام جديد. ولا أحد يجهل كيف عملت المافيا بكل الوسائل لإفشال ثورة 17 تشرين الشعبية السلمية.

 

ذلك أنّ التغيير الجذري مطلب شعبي محق وضروري، يصطدم بجدار سلطوي قوي. فلا ظروف التغيير نحو الأفضل متوافرة. ولا ما يقود اليه فتح الباب لتغيير النظام في ظل خلل في موازين القوى سوى واحد من سيناريوين: إمّا تغيير نحو الأسوأ وتكريس هيمنة طائفة مسلحة، وإمّا الغرق في فوضى بلا ضوابط. والتجارب تعلّمنا أنّ الصراع على حقوق الطوائف هو حرب أهلية دائمة حارّة حيناً وباردة أحياناً. فما يضمن حقوق الجميع هو الدولة القوية العادلة الباسطة سلطتها بقواها الشرعية على كل الأرض. وأقل ما يؤكده الصراع على حقوق الطوائف هو الفشل في بناء الدولة.

 

والواقع، خارج الكلام الكبير، أننا في “حرب عصابات سياسية” تحت عنوان الصلاحيات على سطح مشروع إقليمي لتغيير طبيعة لبنان ضمن الصراع لتغيير الشرق الأوسط. والمشكلة الملحة، ليست في النظام بل في تعطيل اللعبة الديموقراطية. وحين نصل الى استعصاء في تأليف حكومة، فان السبب ليس فشل النظام ولا غموض الدستور والخلاف على تفسيره ولا الميثاقية بل فشل اللاعبين و”نجاحهم” في تفشيل اللعبة.

 

يقول جيمس فالوز في العدد الأخير من “اتلانتيك” إن الديموقراطية تعتمد على “القوانين والمعايير”: “القوانين تضمن التوازن بين سلطة الأكثرية وحقوق الأقلية، والمعايير تمنع الخلافات من أن تصبح حرباً أهلية”. ونحن نتقاتل من فوق القوانين والمعايير. وأكثر ما ينطبق علينا هو قول اينشتاين: “شيئان لا حدود لهما: الكون والحماقة البشرية، ولست واثقاً من الثانية”.