IMLebanon

الغارة الأخطر…

عند الساعة الثانية والنصف فجر أمس الأول كانت الطائرات الإسرائيلية تطير على جمام الارض تقريباً فوق منطقة الخيام في جنوب لبنان، وذلك على نحوٍ ترَك خوفاً لدى سكان المنطقة الذين لاحظوا أنّ خط سيرها هو الى داخل سوريا. واضح أنّ الارتفاع المنخفض للطائرات الاسرائيلية كان يهدف إلى تضليل رادارات الجيش السوري لتحاشي إطلاق صواريخ أرض جو عليها.

لكنّ عبور الطائرات الإسرائيلية المغيرة عبر «الكوريدور اللبناني» جنوباً ومن ثم بقاعاً، في اتجاه العمق السوري، يُسجّل سابقة مفادها أنه للمرة الأولى منذ العام 2015، وهي فترة الدخول الروسي الى سوريا، تقصف الطائرات الإسرائيلية بوضوح مواقع تدَّعي أنها لـ«حزب الله»، إنطلاقاً من تحليقها فوق الأراضي السورية وفي مناطق حسّاسة للوجود العسكري الروسي (منطقة مطار الشعيرات)، حيث أنّ غاراتها في المرات الماضية كانت تتقصَّد أن تترك وراءها سؤالاً غامضاً عمّا إذا كانت الطائرات الاسرائيلية قصفت من داخل الأراضي الاسرائيلية أم أنها فعلت ذلك بعد دخولها أجواء الاراضي السورية المحميّة من منظومة ردع جوي روسي؟

هذه الاعتبارات، إضافة إلى اعتبارات أخرى، جعلت صحيفة «هآرتس» تصف هذه الغارة بأنها الأخطر ضمن مسلسل حوادث الصدام بين اسرائيل و«حزب الله» والجيش السوري في سوريا. ويرى مراقبون متابعون لهذا التطور، أنّ خطورة ما حصل فجر الخميس – الجمعة، يتمثّل في الآتي:

أولاً – الغارة الإسرائيلية هي الأولى من نوعها التي تعلن عنها إسرائيل منذ 6 سنوات في بيان عسكري رسمي، وهي الأولى من نوعها التي تُواجهها منظومات الدفاع الجوي السوري بصواريخ يُعتقد أنّ بينها كان الأحدث داخل ترسانتها الجوية.

أحد الصواريخ السورية المضادة للطائرات الذي اعترضه صاروخ «حيتس» الاسرائيلي انطلاقاً من موقع له في القدس، سقطت أجزاء منه قرب مدينة إربد في سوريا، وتعمل عمان على تحليل نوعه. فهناك اهتمام بمعرفة نوعية الصواريخ المضادة للطائرات التي استعملها الجيش السوري بالتصدّي للطائرات الاسرائيلية المُغيرة، وهل هي فقط صاروخ «سام 5» أم صواريخ أخرى؟.

ولكن أبعد من الرسائل العسكرية التي تضمّنها مشهد حادث «الغارة الاخطر»، كما وصفتها «هآرتس»، هناك اعتبارات اخرى لا تزال محلّ تحليل سواء داخل «حزب الله» وايران وأيضاً لدى دمشق وتل أبيب. ومنها سبب اعلان اسرائيل عن الغارة بشكل رسمي، وذلك على غير العادة التي درجت عليها منذ 6 سنوات.

هناك إجابتان مطروحتان داخل كواليس البيئات المعنية بالمتابعة، الأولى تفيد أنّ إسرائيل اضطرّت للإعلان عن الغارة بعد ظهور صوَر لبقايا صاروخ سوري مضاد للطائرات سقط في منطقة إربد الاردنية على وسائل الاعلام الاردنية.

ولكنّ الإجابة الثانية، وهي الأكثر اعتماداً، تربط الاعلان الاسرائيلي بجملة تطورات جاءت الغارة في سياقها، وفي إطار الاجابة عنها، أهمّها ما يمكن تسميته بـ«عدم نجاح» زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتيناهو قبل ايام إلى موسكو، حيث حاولت اسرائيل خلالها تطوير قواعد التفاهم العسكري مع روسيا في سوريا، ليمنحها حرية أكبر في مطاردة النفوذ العسكري لـ«حزب الله» وإيران في سوريا تحت دعوى وجود اتجاه إيراني لإنشاء قاعدة عسكرية في اللاذقية، والقلق الاسرائيلي من انتشار الحزب والحرس الثوري في جنوب سوريا.

اسرائيل، عبر إعلانها عن الغارة والإيضاح أنّ الطائرات الاسرائيلية نفّذتها من فوق الاراضي السورية، أرادت توجيه رسالة الى موسكو بأنها مستعدة لتغيير قواعد التفاهم العسكري مع روسيا في سوريا، وذلك من جانب واحد ومن خارج أجندة التنسيق المعتمدة حالياً مع موسكو، وانطلاقاً من الافادة من التطوّر المستجد والمتمثّل في اتجاه الادارة الاميركية الجديدة إلى اعتبار النفوذ الايراني وأذرعه العسكرية في الاقليم، وضمنه سوريا، «مُزعزعاً للاستقرار في المنطقة» ويجب تقليم أظافره، وهي الفكرة نفسها التي أكّدها بيان اجتماع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع وليّ وليّ العهد السعودي الامير محمد بن سلمان.

وضمن السياق ذاته، قرأت المصادر نفسها خلفيات رسالة الرد السوري بإطلاق مضادات جوية للمرة الأولى على الطائرات الاسرائيلية المُغيرة، واعتبرتها أنها تَشي برسالة روسية مضادة لإسرائيل، تؤكد أنّ دمشق لديها غطاء من روسيا للردّ على أيّ محاولة اسرائيلية تستهدف تعديل قواعد تفاهم الاشتباك بين تل أبيب وموسكو في سوريا، وذلك لمصحلة قيام اسرائيل بإضافة جرعات تصعيدها العسكري ضد «حزب الله» في الميدان السوري.

ثانياً – ثمّة اعتبار آخر انطوت عليه الغارة تجعلها فعلاً كما وصفتها «هآرتس»، «الغارة الأخطر»، ومفاده أنها استهدفت أهدافاً قرب مطار الشعيرات الذي يعتبر الأهمّ للروس بعد حميميم.

صحيح أنّ المنطقة المحيطة بالمطار فيها حضور لـ«حزب الله»، لكنّ الطائرات الاسرائيلية المغيرة حلّقت خلال ضرب أهدافها تحت الأنف الروسي في سوريا، وهو أمر يطرح سؤالاً عمّا اذا كان الروس أُعلِموا مسبقاً بالغارة الاسرائيلية أم انّ ما حدث هو تعديل من اسرائيل لقواعد التفاهم العسكري مع موسكو في سوريا؟

المعلومات الاولية تؤكّد الآتي: الروس منزعجون من الرسائل الاسرائيلية التي تقف وراء الغارة، ومنزعجون من الاهداف التي حدّدتها تل أبيب لأهداف غارتها الجوية لأنها لا تراعي حرمة نفوذ موسكو داخل الاجواء السورية، والسؤال الذي تردّده أجواء مطّلعة عمّا اذا كان مشهد الاشتباك الجوي التركي الروسي الذي حصل قبل نحو عامين يمكن أن يتكرّر بين الطائرات الروسية والاسرائيلية، فيما لو تكرّرت «الغارة الأخطر» وتمادت إسرائيل في محاولة تغيير قواعد تفاهمها العسكري مع روسيا في سوريا؟