IMLebanon

يتغيّر اللاعبون ولكن دون تغيير اللعبة

لم يتغيّر الجيوبوليتيك القائم بين لبنان وسوريا، والذي اعتبره الرئيس حافظ الأسد بأنه يأتي نتيجة رؤيته «بأننا شعب واحد في بلدين». لم تتغير هذه المعادلة كما يراها حكام دمشق منذ الاستقلال حتى اليوم ولم يغب هذا الواقع القائم على الجغرافيا والتاريخ، وفق ما رأته القيادات السورية الراهنة بعد خروج القوات السورية من لبنان في نيسان 2005، بل بقي مستمرًا من خلال استمرارية التفاعل بين السلطة السورية وعدد من القوى والديناميات السياسية اللبنانية، التي درجت على الإستقواء على أقرانها، من خلال توظيفها لفائض القوة السورية كعمق استراتيجي لمناوراتها وللعبة النفوذ والقوة في الداخل اللبناني. ويدفعنا هذا الثبات في الجيوبوليتيك بين البلدين إلى الاستنتاج بأن العلاقات بين الدولتين تخضع لقاعدة «يتغير الحكام، ولكن اللعبة تبقى على حالها».

انطلاقًا من هذا المفهوم للجيوبوليتيك السوري – اللبناني يقتضي النظر إلى ما يجري في لبنان من أحداث وارتدادات لتطورات الأزمة في سوريا، ولإصرار «محور المقاومة» مع كل ما يضم من قوى ديناميات طائفية ومذهبية على دعم نظام الأسد ونصرته على حساب مستقبل الشعب السوري، والعمل على تعويمه واستحضار نفوذه من جديد إلى لبنان، من خلال اللعب على «قوس التاريخ» الذي يخفي زيف وخداع وتضليل المناورات التي يستعملها النظام وحلفاؤه.

منذ بداية الأزمة السورية عام 2011 نشهد إصرارًا من قبل «محور المقاومة» على زج لبنان في أتون الحرب، والوقوف إلى جانب النظام في حربه على شعبه. ويجري تغليف هذه المشاركة تحت شعار الحرب على الجماعات الإرهابية ومنعها من التمدّد إلى الداخل اللبناني. وكان من المفترض أن تنتهي هذه المقولة مع انتهاء عملية «فجر الجرود» وترحيل بقايا تنظيمي «النصرة» و«داعش» إلى إدلب ودير الزور، ولكن سرعان ما ظهرت نوايا هذا المحور على حقيقتها، من خلال العملية السياسية التي نفذها في الداخل تحضيرًا لخوض الانتخابات العامة، ووفق قانون انتخابي نسبي، مشوّه باعتماد الصوت التفضيلي.

تسارعت بعد الانتخابات النيابية التحركات من أجل استثمار رجحان الميزان في المجلس الجديد إلى جانب «محور المقاومة» وذلك من خلال اعتماد مقاربات تصب في صالح دعم العهد، أو مغلفة بقضايا سياسية واجتماعية واقتصادية حساسة كمسألة عودة النازحين السوريين، إلى مناطق «آمنة» بعد استعادتها من قبل النظام. وكان اللافت أن الإخراج المسرحي «الدراماتيكي» الذي اعتمده جبران باسيل وزير الخارجية، ورئيس «تكتل لبنان القوي»، قد جاء وكأنه نتيجة مباشرة لاجتماعه الأخير مع السيد حسن نصرالله وتنسيقه مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم.

لا يمكن لأحد أن يعارض المطالبة بعودة اللاجئين السوريين والعمل على عدم توطينهم تحت أي عذر في لبنان، حيث يدرك الجميع مخاطر ذلك على الصيغة اللبنانية، وعلى التوازنات الديمغرافية. ولكن المقاربة التي يعتمدها التيار الداعم للعهد، في ظل علاقاته المريبة مع النظام السوري وتحالفاته الاستراتيجية مع حزب الله، وبعد دخوله المباشر في مواجهة عدائية مع منظمات المجتمع الدولي لا تدعو إلى الاطمئنان، وهي ستضرّ دون شك بمصالح لبنان الدبلوماسية والسياسية.

في النهاية، بات من الواضح أن تكتل لبنان القوي ورئيسه يلعبان لعبة مفضوحة لصالح «محور المقاومة» «والنظام السوري»، ولم يعد هذا الأمر سرًّا بعد أن أعلن عن توجه العهد لتعيين موفد خاص لإجراء الاتصالات مع سوريا بشأن عودة النازحين، بالإضافة إلى الترتيبات التي يجريها الأمن العام لإعادة دفعات منهم. وهذا ما يؤشر إلى أن تغيير اللاعبين لن يغير في طبيعة وأهداف اللعبة القائمة على حكم الجغرافيا والتاريخ بين سوريا ولبنان.