IMLebanon

عندما يتحكّم “المتردّدون” بالاستحقاق الرئاسي: من يحسم؟

 

 

عندما تتعمّق الإحصائيات في شأن الاستحقاق الرئاسي تظهر معادلة «ميزان الجوهرجي» بين أي مرشحين قويين. وهو ما يدفع إلى البحث عن «النواب المتردّدين» الذين لم يقولوا كلمتهم النهائية بعد. الأمر الذي بات رهناً بالوساطات الخارجية، إلى انّ تبوح بكلمة السرّ في اي لحظة تعجز فيها عن التسوية. فالفرز الدقيق لموازين القوى بين «الثنائي الشيعي» و»الكتل المسيحية المعارضة» لمرشحه، يقود إلى البحث عمّن يتحكمون بالاستحقاق؟ وعليه من يحسم الأمر؟

لم يتجرأ إلى اليوم أي من القوى التي تخوض المواجهة بين المرشحين الرئاسيين المعلن عنهم وأولئك الساعين في الكواليس الرئاسية، إلى المشاركة في السباق إلى قصر بعبدا بعيداً من الاضواء، على الادعاء بأنّ أياً منهم قد اقترب من الحدّ الأدنى من النصاب القانوني المطلوب للفوز، أي بالنصف زائد واحداً من أعضاء مجلس النواب. وهذا ما دفع عدداً من رجال الإحصاء الى البحث عن القوى التي يمكنها حسم التنافس لمصلحة هذا المرشح او ذاك، فيما اقتربت البلاد من منتصف الشهر السابع لخلو سدّة الرئاسة، على وقع مجموعة من التقديرات والتكهنات التي تنحو إلى اكثر من سيناريو حول النتيجة الحتمية.

وبناءً على ما تقدّم، لا تخفي الاستطلاعات الجارية الإشارة إلى التوازن المحقق بين حصّة رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية وأي مرشح آخر يمكن تسميته بديلاً من المرشح النائب ميشال معوض، ولو بنيله صوتاً واحداً إضافياً لما ناله حتى الأمس القريب. ففرنجية ما زال يتمتع بحصة مضمونة تراوح بين 54 و56 صوتاً، فيما بلغ الرقم الأعلى لمعوض نحو 47 صوتاً، وإن احتسب الغائبون عن إحدى الجلسات الانتخابية الـ11 يقترب من 50 صوتاً.
وإن انتهى هذا الإحصاء إلى نتيجة عددية يمكن ان تخضع للتشكيك بصوت بالزائد او الناقص نزولاً او صعوداً، فقد أشار بنحو حاسم إلى انّ عدد النواب المتردّدين يراوح بين 22 صوتاً في حدّه الأدنى و27 صوتاً في حدّه الأقصى. وهو ما يبرّر اعتراف مختلف الاطراف بلا استثناء، بعجزهم عن تأمين ما يضمن الحدّ الأدنى لمرشحهم المحدّد بـ 65 صوتاً، عدا عن احتساب حاجة الدورة الانتخابية المكتملة مواصفاتها الدستورية إلى نصاب الثلثين (اي 86 صوتاً) والتي لا يمكن البحث فيها قبل اتضاح الصورة النهائية لمواقع القوى التي تدفع برئيس المجلس النيابي للدعوة إلى تلك الجلسة. وهي عملية تستند الى نوع من «الغموض البنّاء» الذي يسمح بإمكان خوض التجربة الديموقراطية بوجود المرشحين الجدّيين، بما يشكّل نهاية حتمية للمواجهة المفتوحة منذ بدء مهلة الستين يوماً التي سبقت نهاية ولاية الرئيس السابق للجمهورية العماد ميشال عون مطلع أيلول العام الماضي.
على هذه الخلفيات، شهدت إحدى الجلسات التي خُصّصت لإجراء آخر احصاء حول حظوظ المرشحين المعلن عنهم، او أولئك الذين يخضعون لامتحان التوافق بين اطياف المعارضة التي لم تجمع إلى الآن سوى على رفض انتخاب مرشح «الثنائي الشيعي» فرنجية، من دون التفاهم على بديل لمعوض. وهو امر ثابت، بعدما وضع فرنجية بإرادته او بخلافها على لائحة مرشحي «محور الممانعة». فيما قوى المعارضة لم تتوصل بعد إلى تسمية المرشح المنافس له، وانّ جلّ ما تحقق يكمن في التوصل إلى لائحة صغيرة وصلت إلى الحدّ الأدنى، وهي تخضع للمناقشات الختامية قبل وضع اللمسات الاخيرة عليها. وما تسرّب حتى الأمس يكشف انّ ما تحقق بات على قاب قوسين او أدنى من تحقيق إنجاز مهمّ، وهو خطوة تقاس بما كان مطروحاً من لائحة فضفاضة، ويمكن في حال اللجوء إليها تسمية أكثر من نصف أعضاء اي حكومة ثلاثينية مقبلة، وملء المراكز المارونية الشاغرة أو تلك التي ستشغر قبل انتخاب الرئيس مباشرة أو بعده، في المواقع والمؤسسات الحكومية على مختلف مستوياتها.

وعلى وقع ما بلغته الاتصالات الجارية على اكثر من مستوى محلي وديبلوماسي عربي وغربي، فقد كشفت العملية الاحصائية انّ اصطفاف «النواب المتردّدين» يمكن ان يؤدي إلى حسم المعركة الرئاسية نهائياً وفق تصنيفهم بطريقة تؤكّد العجز عن إتمام الاستحقاق قبل معرفة توجّهاتهم. فهم في ما ظهر موجودون في مواقع ومتاريس مختلفة. وانّ البحث عن هوياتهم يدفع الى التمييز بين من انتقلوا من مرحلة تأييد لمعوض من دون الإنتقال الى المقلب الآخر. فنواب «اللقاء الديمقراطي» الذين ينطبق عليهم التوصيف، لا يمكن احتسابهم في لائحة المتردّدين لمجرد إصرارهم على التوافق في اي قرار يتخذونه مع الكتل المسيحية الكبرى، ولم يخرجوا من هذه الخانة بعد.
ولذلك، ينصرف الباحثون عن المتردّدين إلى البحث في ما يمكن ان يتخذه نواب كتلة «الإعتدال الوطني» ومعهم «نواب صيدا» المتحالفون مع «التنظيم الشعبي الناصري»، عدا عن «النواب التغييريين» والنواب السنّة المستقلّين او أولئك الذين كانوا محسوبين على تيار «المستقبل» سابقاً الموزعين على عدد من المواقع السياسية المختلفة. ولا يغفل الإحصاء التعديل الذي طرأ على تركيبة المجلس النيابي، والتي تغيّرت بسبب الفرز الجديد من الاستحقاق الرئاسي، كانت احتفظت قوى 8 آذار بـ 64 صوتاً بعد فوز فيصل كرامي بمقعده بقرار المجلس الدستوري وقبل انسحاب «التيار الوطني الحر» و»الطاشناق» من الحلف النيابي الرئاسي، فأفقدها 21 صوتاً، ولكانت قوى 14 آذار احتفظت بـ 38 صوتاً واحتفظ التغييريون والمستقلون ومعهم كتل نيابية صغيرة جديدة بـ27 صوتاً قبل خسارتهم أحد المقاعد بقرار من المجلس الدستوري، وهو ما يؤدي إلى الخريطة النيابية الحالية اليوم، التي أبقت معظم الحياديين والمستقلين والتغييريين في خانة المتردّدين.

واستناداً الى ما تقدّم، فإنّه بات من المنطقي القول انّ بيضة القبان باتت في أيدي «النواب المترددين»، وهم كثر، تتلاعب بهم أهواء عدة، تحولوا معها متعدّدي التوجّهات والخيارات، حتى النزعة الإفرادية منها التي زرعت بينهم أكثر من «حصان طروادة». وهي مؤشرات تبقي عدداً منهم موضع شبهة بين خياري الممانعة والمعارضة، على الرغم من التباعد بينهما. فهناك احصائيون من الطرفين يحتسبون عدداً من النواب على لائحة الذين يمكن اجتذابهم بطريقة او بأخرى، إلى حدّ وضعهم على لائحتي فرنجية ومنافسه، اللتين لا يمكن التخلّي عنهما إلّا في حال «التسوية الكبرى» التي تنهي هذا التصنيف من أساسه، فينساق الجميع إلى ساحة النجمة صفاً واحداً لانتخاب الرئيس التوافقي العتيد.
وختاماً، يمكن القول انّها معادلة ما زالت واردة في اي لحظة، طالما انّ اللعبة الداخلية قد «كربجت» عند موازين متعادلة، تحول دون تقصير مهلة خلو سدّة الرئاسة. وعندها ستكون كلمة السرّ من إنتاج خارجي، وستنكشف عندها أدوار القادرين على الحسم في هذا الاستحقاق، بعيداً من تداعيات «اتفاق بكين» بطرفيه. فهما غير قادرين على الحسم لوحدهما من دون احتساب ادوار الآخرين، وهم ليسوا كثراً بوجود اطراف «لقاء باريس الخماسي»، فإن اتفق ثلاثة منهم على احد المرشحين تنتهي أدوار الآخرين، فكيف إن كانوا اربعة من اصل خمسة وهو لم يترشح بعد.