IMLebanon

إضراب القطاع العام يزيد في طين الاقتصاد بلّة

 

بينما الساسة منشغلون في صراعات النفوذ…

 

 

يدخل اليوم إضراب موظفي الإدارة العامة أسبوعه الثالث على التوالي. نحو 15 ألف موظف التزموا بتعليق العمل في الادارات والوزارات، بعدما فشلت السلطة، المنشغلة في صراعات النفوذ، في التوصل إلى معادلة تؤمن لهم أبسط حقوقهم. بيد أن عجزهم المبرر عن التحمل ارتد سلباً على الكثير من القطاعات الاقتصادية المنهكة، وأدى إلى تراجع كبير في إيرادات الدولة.

 

المشكلة برزت بشكل أساسي في القطاعات المستوردة، ولا سيما منها المرتبطة بالمواد الغذائية سواءً كانت زراعية أو صناعية أو حتى مواد أولية. ففي حين عمل منذ اليوم الثالث على الإضراب على تسهيل معاملات التصدير من قبل جهاز الجمارك، بقي العمل بمعاملات الاستيراد وإعطاء أذونات إدخال البضائع متوقفاً.

 

القطاع الصناعي

 

في هذه المرحلة سجل قطاع صناعة المواد الغذائية الخسارة الاولى المتمثلة بتراجع الانتاج في المعامل أو توقفه بشكل شبه كلي، نتيجة «العجز عن إدخال المواد الاولية المستوردة وعدم كفاية المخزون»، بحسب رئيس نقابة اصحاب الصناعات الغذائية، منير البساط. «من بعدها تأتي الخسارة الثانية الناتجة عن تكبد المستوردين تكاليف التخزين الاضافي عن كل مستوعب لم يعمل صاحبه على إخراجه في المهل المحددة». هذه الرسوم التي يبدأ احتسابها بعد عدد محدد من الايام بشكل تصاعدي بحسب حجم المستوعب تدفع بالدولار الاميركي نقداً. وهناك من المستوردين من يتحمل اكلافاً باهظة نتيجة شرائهم باخرة بكاملها «Bulk». ويتكلف بعض المستوردين أيضاً مبالغ مالية هائلة بالعملة الصعبة للمحافظة على برودة المستوعبات التي تتضمن بضائع بحاجة إلى التبريد الدائم كيلا تفسد، كاللحوم والاسماك… وغيرها الكثير من المواد الغذائية. وعليه فان «استمرار المبالغ التي يتكبدها المستوردون بالتضخم والارتفاع نتيجة الاضراب سينعكس حتماً على الاسعار. حيث ستضاف الرسوم الزائدة في النهاية على أسعار السلع سواء كانت مصنعة أو جاهزة. ما سيرتب على المستهلكين ومن ضمنهم الموظفون طبعاً، أعباء إضافية كبيرة، نتيجة ارتفاع أسعار السلع، فيصبحون كـ»من يلحس المبرد».

 

القطاع الزارعي

 

إيجاد المخارج سريعاً وضمان عدم عرقلة الصادرات، انقذ القطاع الزارعي من كارثة حقيقية، خصوصاً مع ما يتحمله المزارعون من أكلاف هائلة ومواجهتهم انهيار القدرة الشرائية للمستهلكين في الداخل. فـ»الاضراب يتزامن مع تسجيل سعر صفيحة المازوت للمرة الاولى بتاريخ لبنان 28 دولاراً أميركياً، واستمرار إقفال الكثير من أبواب التصدير سواء كان عبر الحدود البرية مع سوريا أو إلى دول الخليج العربي»، يقول رئيس تجمع مزارعي البقاع إبراهيم ترشيشي. و»لو لم يتم تجاوز عقبة التصدير في الايام الأولى تحت ضغط تهديدنا بالاضراب لكان الوضع أسوأ بكثير مما هو عليه اليوم على كافة المستويات». لكن في المقابل بلغ عدد الحاويات المستوردة غير المخلصة حوالى 600 حاوية، تتقاضى عليها الشركات الاجنبية العاملة بدل إتلاف مبلغاً مقداره 80 دولاراً في اليوم الواحد، أي ما يعادل المليون دولار منذ تاريخ إعلان الاضراب قبل 20 يوماً. وهذا المبلغ الكبير «يدفع من حساب الشعب اللبناني إلى الشركات الاجنبية هباءً»، بحسب ترشيشي. و»كان بالامكان تفادي الكثير من التكاليف المباشرة وغير المباشرة التي تزيد الأزمة سوءاً لو تم إيجاد آلية غير معرقلة للاستيراد والتصدير وتخليص المعاملات منذ اليوم الاول. وذلك على غرار ما بدأ يحصل منذ يوم الجمعة الفائت حيث بدأ العمل من قبل بعض الموظفين على تخليص معاملات البضائع المستوردة».

 

القطاع التجاري

 

خلافاً للكثير من المعاملات التي يمكن تسويتها لاحقاً، فهناك معاملات طارئة لا تحتمل التأجيل، كمؤشر بيان البضائع المصدرة، و»من غير المسموح أن تتوقف المرافق الحيوية في البلد عند كل اضراب للقطاع العام»، يقول رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي. «فتخليص البضائع الداخلة والخارجة هو من الخطوط الحمراء التي يجب عدم تجاوزها مهما كانت الاسباب. وكل ما تتطلبه هو ما بين 20 إلى 30 موظفاً من أصل 15 ألف موظف في الادارة العامة، و350 ألفاً في القطاع العام ككل، مهمتهم تسيير البيانات في وزارتي الزارعة والاقتصاد. فهل يجوز ان يشل البلد وتتعطل حياة اكثر من 5 ملايين شخص لعدم القدرة على تأمين عمل 25 موظفاً». من دون أن يعني ذلك، بأي شكل من الاشكال «معارضتنا أو عدم تأييدنا لمطالب القطاع العام المحقة، والتي لم تعد رواتبهم تكفي لتأمين أبسط متطلباتهم» بحسب ما يؤكد بحصلي. أما لجهة الخسائر فهي لا تعد ولا تحصى ومنها:

 

خسائر… خسائر

 

1 – امكانية تلف البضائع الموجودة في شمس الصيف الحارقة، خصوصاً بالنسبة إلى الحاويات التي تحتوي الحبوب ولا يمكن تأمين التبريد لها. مثل الأرز والبرغل… فهي تتعرض خلال هذه الفترة للتسوس وتتلف بشكل كلي.

 

2 – تكبد أكلاف إضافية على نقل الحاويات اكثر من مرة من باحات التخزين إلى باحات الكشف بعد امتلاء الاخيرة وعدم قدرتها على الاستيعاب. حيث تبلغ كلفة نقل كل حاوية 35 دولاراً تدفع بالنقد الصعب.

 

3 – توقف طلب مستوعبات المواد الغذائية بفضل احجام شركات الشحن عن الاستجابة نظراً لعدم القدرة على «التحطيط» في أرضية المرفأ.

 

4 – تكبد المستوردين أكلاف نقل البضائع من المرافئ القريبة نتيجة «تحطيطها» من قبل البواخر في الموانئ الداخلية الاخرى كمرفأ طرابلس مثلاً، أو حتى مرافئ الدول المجاورة بسبب الزحمة في مرفأ بيروت، مع ما يتطلبه هذا الامر من تضييع للوقت وخسائر مادية إضافية.

 

الاضراب مستمر

 

«ما ظهر من خلال بدء تخليص معاملات البضائع المستوردة على أنه فك للاضراب، ما كان إلا شائعة سوَقت أن عدداً من موظفي وزارة الزراعة المولجين بأخذ العينات ومتابعة إدخال الكائنات الحية مثل المواشي استأنفوا عملهم كالمعتاد»، تقول رئيسة رابطة موظفي الادارة العامة نوال نصر. و»ما يؤكد على عدم صحة المتداول هو بيان الجمارك الذي أكد اتخاذ مجموعة من الاجراءات التسهيلية لاخراج البضائع بعد تعهد المستوردين باتمام وايصال المستندات اللازمة، حين يفك الموظفون الاضراب وعودتهم إلى عملهم. وعليه فان الاضراب مستمر بحسب نصر اجبارياً وليس اختيارياً. فـ»الموظفون عاجزون عن الوصول إلى أماكن عملهم حتى لو أرادوا. والسلطة السياسية لم تتخذ أي إجراء جدي لتلبية أبسط متطلباتنا المتصلة في قدرتنا على الصمود والعيش بأقل الامكانيات». أما بالنسبة إلى الكلفة التي يتحملها الاقتصاد والمواطن جراء هذا الاضراب فهي مقدرة من قبل الموظفين وحجمها كبير، وكبير جداً. إلا ان هذه الكلفة الناتجة عن اهمال الدولة وتعنتها في عدم انصافنا كنا ندفعها كموظفين يومياً، ومنذ فترة طويلة وحيدين. واليوم أصبحت موزعة على الجميع. وعلى السلطة السياسية المبادرة إلى حل هذه الازمة من خلال حسن استخدام مواردها الكثيرة التي نعلم أكثر من غيرنا أنها موجودة، وتذهب إلى الأماكن غير الصحيحة. ومهما نكن ضنينين بالمواطنين الذين هم في النهاية أهلنا وحريصون على عدم تحملهم أكلافاً اضافية نتيجة الاضراب، فاننا نرى أن الاضراب وزع الاعباء التي لم يعد هناك من طاقة لنا على تحملها. ولم يعد باستطاعتنا فك الاضراب الذي تحول إلى امر واقع مفروض علينا. وهو الطريق الوحيد المتاح للضغط قدر الامكان على الدولة والمعنيين لوقف المراهنة على عامل الوقت وكلل الموظفين».

 

الحضور 32 يوماً من 240

 

قبل التوقف كلياً عن الحضور إلى الإدارات مؤخراً، فوّت اضراب موظفي القطاع العام شبه المفتوح المستمر منذ أكثر من نصف عام مداخيل باهظة على الدولة. فمع بداية شهر تشرين الثاني من العام الماضي استعاضت رابطة موظفي الإدارة العامة عن الاضراب المفتوح الذي استمر أسبوعين، بإضراب جزئي يتم خلاله حضور الموظفين يوم الأربعاء فقط من كل أسبوع لإنجاز المعاملات الملحة. ومن وقتها أي منذ ما يقارب 240 يوماً لم يحضر الموظفون إلى مراكز عملهم لأكثر من 32 يوماً. الامر الذي كبد خزينة الدولة خسارة مباشرة وأخرى غير مباشرة.

 

 

طبع العملة

 

أحلى الحلول يبدو اليوم مراً. فاستمرار الاضراب يشل البلد ويرفع الاسعار ويزيد الاكلاف على القطاعات المنتجة، فيما تمويل زيادة رواتب الموظفين بالطرق التقليدية نفسها، أي عبر طباعة الاموال، يؤدي إلى مزيد من التضخم وانهيار القدرة الشرائية. وعليه فان الحل الوحيد يتمثل في البدء بالاصلاحات والدخول في برنامج مع صندوق النقد الدولي، وهذا على ما يبدو لا يزال بعيد المنال.

 

 

قطاع السيارات يصرخ

 

بحسب رئيس مصلحة تسجيل السيارات أيمن عبد الغفور، «فالخسارة المباشرة مثلاً في هيئة إدارة السير والآليات والمركبات (النافعة) تقدر بـ 3 إلى 4 مليارات ليرة يومياً. أي ما يعادل 120 مليار ليرة شهرياً، و1440 مليار ليرة في السنة. هذا عدا عن الخسارة غير المباشرة المتأتية من خسارة التجار وأصحاب شركات استيراد السيارات الجديدة ومعارض السيارات المستعملة والتي لا تقدر بثمن. فتسكير النافعة وإقفال الباب أمام تسجيل السيارات يؤدي إلى توقف دورة كاملة تبدأ بالشركات والمعارض، وتمر بمخلصي ومعقبي المعاملات، وتصل إلى محلات قطع البيع وغيرها الكثير. وهناك صرخات وجع من قبل الكثير من تجار السيارات الذين سيضطرون مكرهين إلى إقفال معارضهم نتيجة عجزهم عن التسجيل». وهذه المشكلة طبعاً أضيفت بحسب عبد الغفور «على أزمة استيراد السيارات بسبب الدولار وصعوبة تحويل الاموال».