IMLebanon

الدور القطريّ القادم إلى لبنان… والمنطقة

 

 

لا تغيب إمارة قطر عن المشهدين الإقليمي والدولي مع ما يحمله هذا الدور من تأثير وتداعيات ودخول في عمق القضايا المعقّدة. وقد حضر الدور القطري في لبنان بشكل فاعل خلال وبعد عدوان تموز 2006 وبرزت مساهمة الدوحة في إعادة الإعمار ويذكر الجميع شعار «شكراً قطر» في تلك المرحلة، كما استضافت العاصمة القطرية القوى السياسية بعد انقلاب 7 أيار 2008 ليصدر عنه ما عـُرِف باتفاق الدوحة. ولكن مع اندلاع الثورة السورية واصطفاف قطر إلى جانب قوى الثورة والمعارضة ازدادت المسافة الفاصلة بينها وبين «حزب الله» وإن بقيت العلاقات مع طهران فاعلة على طول الخط لارتباطها بملفات إقليمية متشابكة، لكنّ المسافة قربت مع كلّ معارضي نظام الأسد.

 

إرتبط الدور القطري في لبنان بالحضور السياسي في ظلّ الأزمات التي يتخبّط فيها لبنان مع اختلاف التوجّهات في كلّ مرحلة وعاد بقوّة من خلال اللجنة الخماسية الدولية بعد تمادي الشغور الرئاسي في خطوات متناسقة متعاونة مع الاتجاه السعودي العام، مع امتياز قدرة القيادة القطرية على التواصل مع جميع الأطراف، بمن فيها «حزب الله»، وازدادت أهمية هذا التدخّل مع الفشل الفرنسيّ الذريع في إدارة العلاقة مع القوى اللبنانية والسقوط المتتابع لخطوات الرئيس إيمانويل ماكرون منذ زيارته الشهيرة بعد جريمة تفجير مرفأ بيروت ومحاولته فرض حكومة مهمة ما لبثت أن ضاعت مع تمكّن الثنائي الشيعي من فرض إرادته بالاحتفاظ بوزارة المال وثباته على سياسة التعطيل.

 

بعد عملية «طوفان الأقصى» يمكن القول إنّ المنطقة أصبحت محكومة بالتغيير على جميع المستويات، وهنا دخلت قطر في قلب المشهد بإقرارٍ أميركي ودعم تركي وتفاهم سعودي خليجي، لتباشر بداية العمل على تثبيت الهدنة وتأمين تبادل الأسرى الإسرائيليين لدى حماس كمدخل لإعادة طرح وتشكيل الرؤية المطلوبة لحلّ القضية الفلسطينية وفق رؤية تؤمِّن الاستقرار على مستوى المنطقة.

 

ولم يغب الموفد القطري جاسم آل ثاني (أبو فهد) عن لبنان حتى خلال المواجهات الدامية في غزة وحاول إبقاء الجهود في الملف الرئاسي قيد التداول والواضح أنّ الدوحة تحضِّر لدور مستقبلي لها في لبنان يشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والتنموية، وهذا ما أظهرته القيادة القطرية من استعداد للعمل على تقديم المساندة للبنان في مجالات الطاقة والنقل والبنى التحتية والشؤون الاجتماعية والإنسانية.

 

يستذكر بعض المعنيين في العلاقة اللبنانية- القطرية أنّ سبب فشل تأمين المساعدة في مجال الطاقة خلال مراحل سابقة كان إصرار البعض في الجانب اللبناني على إدخال الفساد وتحويل المشروع إلى مزراب فساد إضافي، لهذا تصطدم رغبة المجتمعين العربي والدولي بسدود الفساد التي نشأت برعاية تحالف السلاح غير الشرعي والفساد، وهذا سيكون العائق الأكبر أمام أيّ تقدّم حقيقي في العلاقات اللبنانية مع الخارج.

 

سبق لشظايا الحرب في غزة أن تطايرت وأشعلت جبهة «التحريك» في الجنوب، لكنّ المخارج التي ستنتج عنها ستصيب لبنان أيضاً، ومن الواضح أنّ عموم التوجّهات الدولية والعربية والإيرانية تتجه نحو حلّ الدولتين بانخراط حركة «حماس» في هذا التوجّه، وتذكر المعطيات في هذا المجال أنّ الدور القطري سيكون فاعلاً في تسهيل ولادة الحلول، بالنظر إلى العلاقات الخاصة التي تربط «حماس» بالدوحة ليس في الدعم المالي لقطاع غزة فقط، بل أيضاً في استضافة قيادة «الحركة» وفي فتح حوارات عميقة حول المستقبل الفلسطيني.

 

وبينما تُبدي حركة «حماس» كفاءة عالية في خوض غمار القتال وفي إدارة التفاوض بقدرات دبلوماسية رفيعة المستوى شملت تواصلها مع مجمل القوى الفلسطينية وعلى رأسها قيادات في حركة «فتح» وهي تعطي إشارات الاستعداد للتوافق الوطني الفلسطيني في المرحلة المقبلة، يبدو المشهد في لبنان مأسوياً مع إصرار «حزب الله» على تحويل البلد رهينة الأجندة الإيرانية الإقليمية والدولية، مواصلاً تعطيل الاستحقاق الرئاسي.

 

نسجت قطر علاقات واسعة في لبنان، وهي باتت اليوم تُوازِن بين معسكري السيادة ومحور إيران، كما أنّ لها صلات عميقة في المجتمع السني، سواء من خلال علاقتها برئيس الحكومة نجيب ميقاتي أم الوزراء والنواب السنة وكذلك بتنظيم «الإخوان المسلمين» وفرعه في لبنان («الجماعة الإسلامية») أم من خلال الجمعيات السنية العاملة في الشأن الاجتماعي ومشايخ ومعاهد دينية تتأثّر بالتوجه القطري، الأمر الذي من شأنه الدفع بالاتجاه السياسي الذي سيحكم التسوية المنتظرة داخلياً وخارجياً.

 

حسب ما يُستشفّ من الاهتمام القطري في لبنان، فإنّ الدوحة تحضِّر فرقها الدبلوماسية والتنموية لاستكشاف طبيعة الحركة التي ستقوم بها بالتوازي مع جهودها في الملف الرئاسي، ويمكن القول إنّ الدور القطري المقبل في لبنان والمنطقة سيكون فاعلاً ومتقدِّماً على خطوط التعاون مع السعودية وتركيا ومصر، وسيأخذ القطريون دور كاسحة الألغام السياسية مع بدء تسرّب أنّ أبعاد التسوية ستشمل لبنان وسوريا وهنا ستكون للنموذج القطري أهميته في تلمّس مسار الخروج من نفق الفراغ والانهيار في لبنان.