IMLebanon

المنطقة بين خياري الاستسلام أو الحرب

 

اتهم نائب وزير الخارجية الأميركية الأسبق وليم برنز في مقال نشره قبل أيام الرئيس دونالد ترامب باعتماد إستراتيجية إكراه ضد إيران من خلال قرع طبول الحرب مع غياب كامل لأي عمل ديبلوماسي، في ظل استمرار تصعيد نظام العقوبات القاسي الذي بدأ بتطبيقه منذ انسحابه من الاتفاقية النووية قبل عام. ويرى برنز بأن تهديدات ترامب ومواقف صقور إدارته في مواجهة ردود فعل وتصريحات القيادات الإيرانية ستدفع الأزمة الراهنة نحو مزيد من التصعيد، خصوصاً إذا اتجهت إيران الى التخلي كلياً عن الاتفاقية النووية الأمر الذي يهيئ الظروف لمواجهة عسكرية محتملة.

 

في هذا السياق يلتقي برنز مع نظرية كارل فون كلوزفيتز عن الحرب، والتي يصفها بأنها ذراع من أذرعه العمل السياسي، وبأنه لا يمكنها أن تصبح غاية بحد ذاتها، وبأنه من المفترض متابعة العمل السياسي والديبلوماسي حتى بعد اندلاع الحرب.

 

من هنا يبدو بأن هدف استراتيجية ترامب القائمة على العقوبات القاسية، والتهديد باللجوء الى القوة العسكرية بات يتركز على وضع إيران امام خيارين: الاستسلام أو توقع حدوث انفجار من الداخل تحت تأثير الحالة الاقتصادية والاجتماعية المتردية.

 

والسؤال الذي لا بدّ من طرحه: ما هي قابلية إيران للقبول بأي من الخيارين؟ من خلال استعادة سريعة لمواقف القيادات الإيرانية في مواجهة الأزمات التي واجهتها منذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979، يمكن توقع تكرار إيران لتجاربها السابقة في الصمود والتعايش مع الظروف المأسوية التي يفرضها الحصار النفطي والمالي والعسكري، وذلك انطلاقا من دروس الأزمات السابقة التي واجهتها إبّان الحرب مع العراق ما بين عامي 1980 و1988، وإبّان تراجع عائداتها النفطية في عام 1997 بنتيجة الأزمة المالية التي واجهت الدول الأسيوية. أو خلال سنوات المقاطعة الاقتصادية التي فرضتها عليها العقوبات الدولية والأميركية في عام 2012.

 

ستعمل إيران على مواجهة الضغوط الأميركية في ظل إدارة ترامب من خلال إعتماد استراتيجية مركبة تعتمد على:

 

أولاً، استعمال عامل الوقت ضد إدارة ترامب بانتظار أن تفعل القوى المعارضة داخلياً وفي أوروبا فعلها وتدفعه للتراجع عن استراتيجيته تحت ضغط انشغاله بالتحضير لإعادة انتخابه لرئاسة ثانية.

 

ثانياً: مقاومة الضغوط الاقتصادية والمالية، مع تأمين شروط الحد الأدنى للبقاء والصمود لفترة قد تمتد لسنوات.

 

ثالثاً، الاستفادة من الدروس الثمينة التي تعلمتها إيران- وخصوصاً الحرس الثوري الذي يدير مئات الشركات «الوهمية» في الخارج، للالتفاف على العقوبات وكل أشكال الحصار.

 

رابعاً، تجنب حصول أية مواجهة مباشرة بينها وبين القوات الأميركية أو الدول العربية الخليجية، وذلك منعاً لأية ذريعة أميركية للقيام بعملية عسكرية محدودة أو واسعة ضدها. ولكن ذلك لن يمنعها من الاستمرار في سلوكياتها الراهنة لزيادة نفوذها في الخليج والعراق وسوريا ولبنان، وإطلاق حرية العمل لعملائها في المنطقة، مع الحرص على ألا تظهر مسؤوليتها المباشرة في ذلك، وأن تبقى العمليات دون مستوى المواجهة الشاملة بين قوى الحرب بالوكالة وأي من الأنظمة المتحالفة مع أميركا، بما في ذلك إسرائيل.

 

في الواقع لا يمكن أن تحجب تصريحات ترامب العشوائية وتغريداته الموجهة الى القيادات الإيرانية، محذراً إيران من ركوب المخاطرة بخوض حرب مع اميركا بقوله «إذا أرادت إيران خوض حرب فسيكون ذلك النهاية الرسمية لإيران» ظهور مؤشرات عن بدء وساطات ديبلوماسية، تمثلت طلائعها بزيارة وزير خارجية سلطنة عمان يوسف بن علوي بن عبد الله لطهران واجتماعه بوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. وبالرغم أنه لم يرشح أي شيء عن المحادثات، فإنه من المرجح أن تنصبّ هذه الاتصالات على قضيتين: أولاً، خفض مستوى التصعيد القائم في الاعلام وعلى الأرض، وذلك منعاً من الدفع باتجاه ارتكاب خطأ من أحد الطرفين يؤدي الى عمل عسكري مباشر. وثانياً، الاستماع الى وجهة النظر الإيرانية عن شروط الحد الأدنى التي يمكن أن تتجاوب فيها إيران مع الخطوط المفتوحة، التي كان قد أعلنها ترامب للتفاوض حول معاهدة نووية جديدة، وحول سياسات أيران تجاه الدول العربية الحليفة، بما في لك العراق وسوريا ولبنان واليمن.

 

يقف الآن كل من الولايات المتحدة وإيران عند سقف المطالب القصوى لكل منهما، وإن الاستمرار على هذا المنوال من التصريحات المترافقة مع الاستعراضات العسكرية، سيفتح الباب لمزيد من التصعيد، يمكن أن يؤدي عن طريق قراءة سيئة لنوايا الخصم أو عن طريق وقوع حادث عسكري عن طريق الخطأ الى مواجهة عسكرية، لا تحمد عقباها. تدفع خطورة اندلاع حرب في حمأة التصعيد الإعلامي والعسكري أن يتحلى الطرفان الأميركي والإيراني بالحكمة والتخلي عن أهدافهما القصوى واستبدالها بأجندة واقعية، تبدأ بتجميد إيران لعمليات تخصيب اليورانيوم بكميات تفوق بأربع مرات المسموح به في الاتفاقية الموقعة، وقبول الطرفين بالعودة لأى طاولة المفاوضات لتعديل الاتفاقية الراهنة، على أن يترافق ذلك مع رفع جزئي للعقوبات الأميركية، وخصوصاً في ما يعود لتصدير كميات من النفط الإيراني، مقابل تجميد ايران لعملياتها بالوكالة، مع الوعد بالمساعدة في إيجاد حل سياسي للحرب في اليمن.

 

لكن يبدو بأن الحشد العسكري الأميركي في المنطقة وعملية خلط الأوراق التي جرت، مع كل أجواء الشك والغموض التي أوجدتها سياسة احتمال وقوع حرب لا يقتصر فقط على الأهداف التي تسعى أميركا لتحقيقها مع ايران بل يتعدى ذلك الى السعي لتحقيق جملة أهداف وأولويات أميركية لدى الحلفاء ، وهي أساسية وعديدة، ولا يمكن استعراضها الأن ، باستثناء سعي الولايات المتحدة لإنشاء تحالف سياسي وعسكري إقليمي أو «ناتو» شرق أوسطي يضم الى الدول الخليجية كل من مصر والأردن، على أن تبقى إسرائيل عضواً أساسياً دون إعلان انضمامها إليه بانتظار النجاح في تسويق صفقة القرن التي أعدتها الإدارة الأميركية، والتي يجري الاعداد لأطلاقها بدءاً من الدعوة لمؤتمر استثماري لصالح الفلسطينيين في البحرين قريباً.

 

في ظل هذا المشهد المعقد غير المفاجئ، والذي يأتي نتيجة الصراعات التي شهدتها المنطقة مع غياب كامل لأكثر من عقد لضابط الإيقاع الأميركي، والذي نتج عنه اختلال كامل في موازين القوى الإقليمية، تقف المنطقة على أبواب خيارين: السلام بالشروط الأميركية وهو أقرب الى الاستسلام منه للسلام، أو الاندفاع نحو حرب جديدة ومزيد من الدمار والتخلف.

 

وفي النهاية تبقى الحرب أسوأ وأخطر الخيارات.