IMLebanon

العلاقة بين «التيار» و«المستقبل» قادرة على التكيّف… والتماثل يضعها فوق أي اهتزاز

العلاقة بين «التيار» و«المستقبل» قادرة على التكيّف… والتماثل يضعها فوق أي اهتزاز

التفاهم الرئاسي أسهم في ترسيخ الاستقرار وتأمين سلاسة في الحكم غالباً ما كانت غائبة

 

 

«ثمة قناعة راسخة عند الطرفين تعود إلى العامين 2005 و2009 بوجوب استعادة ثنائية بشارة الخوري ورياض الصلح التي أسست للاستقلال وأرست دولة الميثاق»

 

الميزة الأهم في العلاقة بين التيار الوطني الحر وتيار «المستقبل»، المرتكزة أساسا على التفاهم الرئاسي الذي خطّه الفريقان على مراحل، بدءا من اجتماع روما الشهير بين العماد ميشال عون وسعد الحريري، تكمن في أنها قادرة على التكيّف عند أي استحقاق أو خلاف، بحيث يطغى دوما صوت العقل على الانفعال والاسترسال والاستسهال في المساجلة والمنازلة، وتقفز أحيانا كثيرة فوق محاولات داخلية، من ضمن الفريق الواحد، ترمي الى إستهداف هذا التفاهم أو تخريبه.

 

ولم تعد خافية العلاقة الجدلية الملتبسة (تنافسيا) داخل تيار المستقبل، الذي يقتبس مرجع كبير عبارة «بيت بمنازل كثيرة» للدلالة الى الحال التي يعيشها راهنا – ومرّ فيها في مراحل سابقة – وتظهّرت في افتتاحية موقع «مستقبل ويب» صباح الخميس (اللهمّ احمي الحريري) وفي مقدمة نشرة أخبار تلفزيون المستقبل مساء اليوم عينه والمقتبسة قلبا وقالبا من هذه الافتتاحية، في حين لا تخفى أيضا التباسات داخل التيار الوطني الحر، وإن غير مؤثرة في مساره السياسي العام وفي قبضة القيادة على القرار، رغم بعض الجلبة التي تظهر بين الحين والآخر، وهي ناتجة في الأصل من قصور أو طموح أو حتى غيرة هي في صلب طبع البشر.

 

وربما يُسهم هذان التشابه والتماثل في اللاوعي الجمعي للتيارين، في إعادة ترتيب العلاقة في كل مرة تتعرّض الى الاهتزاز أو الى الاختبار، مع إشارة لافتة تتمثل في أن التفاهم الرئاسي، لا التسوية كما يحلو للبعض تسميتها، ظل دوما فوق أي اهتزاز أو اختبار، نتيجة قناعة عند الطرفين، وهي قناعة راسخة تعود الى العامين ٢٠٠٥ و٢٠٠٩ بمعنى العمل على استعادة ثنائية بشارة الخوري ورياض الصلح التي أسست للاستقلال وأرست دولة الميثاق الذي لم يكن يومها يحتاج الى أكثر من كلمة شرف بين المتعاقدين، وجعلت المارونية السياسية بمعناها السياسي الحقيقي لا المذهبي أحد أبرز مداميك قيام الدولة في زمنها الدُرّي، إلا إذا أراد البعض، على سبيل المثال لا الحصر، إغفال حقيقة أن فؤاد شهاب باني دولة المؤسسات كان في صلب هذه المارونية السياسية، فيما أبرز الشخصيات الوطنية السنية كانت أيضا في صلب هذه المشهدية. لكن لا يعني ذلك أن ثمة من يريد إستعادة هذه التجربة، لأن التاريخ، خلافا للاعتقاد الماركسي ولمن لا يزال يتمسّك بهذا الاعتقاد، لا يعيد نفسه، لكنه ينتحل L’histoire ne se répète pas, mais elle se plagie، ولأن لكل ظرف وزمن أبطالهما وشخصياتهما وتوازناتهما، الى جانب أن لا نية لدى الرئاسة وحزبها الداعم في العودة الى زمن لا يشبه في أي شكل من أشكال الزمن الراهن، لا شكلا ولا مضمونا.

 

في أي حال، تكمن أهمية العلاقة الثنائية الحزبية – الشخصية بين التيارين، في أنها دافعة بقوة إرادة القائمَين عليها، الى ترسيخ الاستقرار اللبناني واستنهاض الدولة في سياق الدستور الساري، وتأمين سلاسة في الحكم غالبا ما كانت غائبة نتيجة اللااتزان، وربما الأصح الاختزال في العلاقة بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة منذ الأعوام الأولى للجمهورية الثانية. ولعل الصورة الأكثر نصاعة وإشراقا لهذه العلاقة تجلّت إبان محنة الرئيس الحريري في تشرين ٢٠١٧، وهي التي سرّعت في تطبيع الكيمياء السياسية والشخصية، لا بل شكّلت اختبارا لا مثيل له، ربما على مر التاريخ السياسي للأمم، للثقة بين التيارين، وللعاطفة الشخصية الخاصة التي يوليها تحديداً رئيس الجمهورية الى رئيس الحكومة.

 

وربما لكل ذلك، تعود العلاقة لتستقيم في شقيها الشخصي والسياسي عند كل مفصل، تأسيسا على المصلحة الوطنية المشتركة التي تجمعهما، في مواجهة كثر لا يخفون سقمهم منها ورغبتهم في نسفها، مدخلا الى تفكيك التفاهم الرئاسي ومندرجاته، وتاليا نتائجه.