IMLebanon

الإلتفاف على الانتفاضة في الشارع والحكومة

 

تجري منذ أيام محاولات عدة للالتفاف على الانتفاضة الشعبية عبر قيام قوى سياسية بالإفادة من اشتراك فرقاء سياسيين محددين، بهدف فرض وجهة فئوية على شعاراتها وتطلعاتها وإعطائها طابعاً يقتصر على جانب من مطالبها دون الآخر.

 

فالتركيز خلال الأيام الماضية على دور المصارف والمصرف المركزي في الأزمة المالية الاقتصادية، على صحة رفض سياسات اتبعتها خلال السنوات الماضية، قد يكون هدفه حرف الأنظار عن جوانب أخرى ربما تكون أكثر أهمية على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، لعبت دوراً كبيراً في تفاقم ما يعانيه اللبنانيون. يستدعي حصر المشكلة بجانب من الأزمة أسئلة كثيرة عما يستبطنه وحول ما إذا كان تشتيت انتباه داعمي الحراك الشعبي عن مواضيع كالفساد والهدر في تنفيذ المشاريع والإدارة التشغيلية للمؤسسات، وتلزيم الخدمات العامة وإهمال مصادر واردات الخزينة بالتشبيح على مقدرات الدولة وأملاكها، والتهريب وترك الحدود على غاربها، يرمي إلى تغييب الجانب السياسي من مطالب الحراك الشعبي المتعلق بالقوانين التي تساهم في معالجة الأزمة. بل إن أوساطاً سياسية كثيرة تطرح السؤال عما إذا كان التركيز على المصارف، يتصل بالضغط عليها في المرحلة المقبلة، كي تمتنع عن التجاوب مع تشديد العقوبات على “حزب الله” وسوريا، بعدما كان لبنان رئة الأخيرة من أجل التحايل عليها.

 

ومع لوم القوى الأمنية على القمع غير المبرر أحياناً في ليلتي شارع الحمرا وكورنيش المزرعة، فهل إن القوى الجديدة التي نزلت إلى هاتين الموقعتين، وكذلك بعض قوى السلطة، تريد بدورها أن تصبح الحالة العنفية هي المتقدمة على الصعيدين الإعلامي والسياسي، فتطغى على سائر مطالب الحراك الشعبي والشبابي ويستظل بها مجهود الالتفاف على الانتفاضة وجوهرها الوقوف ضد ممارسات الطبقة السياسية؟

 

هل الغرض من تصعيد الحراك الشعبي إثر مشاركة جمهور “حزب الله” وبعض المنتمين إلى “سرايا المقاومة” فيه في الأيام الماضية، بعدما كانت قيادة هذه المجموعات جنحت في الشهرين الماضيين إلى الاشتباك مع المحتجين في مواقع عدة وحطمت خيمهم، هو التأثير في أولويات الحراك الشعبي واستبدال شعارات بأخرى بحكم الأمر الواقع؟ فما الذي جعل هذه المجموعات تبرر انفلات مناصريها ضد الثوار، برفضها قطع الطرقات سابقاً، حتى تعود هي إلى المشاركة في قطعها بل إلى تحريض مجموعات شبابية على ذلك؟

 

في المطالب السياسية، تراجع شعار الانتخابات النيابية المبكرة وصوغ قانون انتخاب جديد أكثر عصرية من القانون الحالي الذي عمّق الفرز الطائفي والمذهبي في البلد. وإذا كان رصد مجموعات الانتفاضة لعملية تأليف الحكومة من أجل التدقيق، في ما إذا كان القيمون عليها سيتجاوبون مع معايير الإتيان باختصاصيين مستقلين فعلاً عن أحزاب السلطة، أخذ من وهج المطالب السياسية الأخرى، فإن التحضير للحكومة أخذ منحى موازياً لعملية الالتفاف على الانتفاضة هو الآخر.

 

وسط ضجيج العنف في الشارع جرت حياكة تسوية جديدة على تقاسم الحصص الوزارية، تشمل حماية مواقع سابقة أتاحت إتمام صفقات يبدو أن الحفاظ على استمراريتها هو هاجس من وقف وراءها. وتحت وابل المواقف الدولية التي تستعجل ولادة الحكومة ولوم الطبقة السياسية على تأخيرها، جرى ترتيب صفقة جديدة تحت عناوين “التكنوقراط” و”الاختصاصيين المستقلين” الذين قام بعض عرابي التأليف باختراع بعضهم من الأزلام. وبعض هؤلاء العرابين هم من المشهود لهم بممارسة السياسة وتحصيل المكاسب بالقوة الأمنية، ويحلمون بالعودة إلى منظومة أمنية سياسية ولّى زمنها، إذ قامت إبان الهيمنة السورية على القرار السياسي، وتطمح إلى استعادة دورها مع النافذين من رجالات العهد الحالي بوجهة انتقامية، لكن من موقع نيابي هذه المرة ولعب دور في إجراء امتحانات الولاء لعدد كبير من الضباط المتقاعدين كي يتولوا مناصب وزارية.

 

ثمة لعبة ستكون لها ارتدادات سلبية على الوضع الاقتصادي المالي إذا نجحت، بالالتفاف على الانتفاضة في الشارع، وفي التركيبة الحكومية.