IMLebanon

حُكم الأقوياء إلى أين؟!

تكثر تساؤلات اللبنانيين عن أسباب عدم تحقيق لقاء بعبدا الخرق الحكومي الذي يُشكّل العنوان الرئيس لانطلاقة العهد بالزخم الذي يتوخاه كل الذين يعانون من فساد وإفساد الطبقة السياسية المستحوذة على السلطة بالقوة منذ توقف الحرب الأهلية بعد اتفاق الطائف في أوائل التسعينات من القرن الماضي، وتكثّرت التساؤلات أيضاً عما آل إليه حكم الأقوياء الذي اختاره من أصبح سيّد القصر بعد الاجتماع الذي ضم الأقوياء الثلاثة وهم الرؤساء عون وبري وسعد الحريري وما هي الأسباب الحقيقية التي حالت دون توصلهم إلى اتفاق علي تشكيل حكومة تكون صنيعتهم وعلى مقاسهم، ما داموا متيقنين ضمناً وعلانية بأنهم هم الأقوى، ومن حقهم أن يصنعوا الحكومة التي تناسبهم وتكون في خدمة مصالحهم السياسية والانتخابية.

أليس الرئيس عون هو الذي تمسّك بحكم الأقوياء أصحاب التمثيل الشعبي والنيابي الوازن والفاعل وعطّل أو ساهم في تعطيل الانتخابات الرئاسية مُـدّة سنتين وخمسة أشهر، إلى أن أقرّ الآخرون بنظرية حكم الأقوياء وانتخبوه رئيساً للجمهورية وسمّوا الأقوى في طائفته الرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة، في حين فوّض حزب الله الرئيس نبيه برّي للتفاوض نيابة عنه في كل ما يتعلق بالشأن الحكومي بوصفه الأقوى في طائفته، وهل يصح بعد كل هذا إقناع اللبنانيين التوّاقين إلى عودة الدولة بقضها وقضيضها، والمؤملين بانطلاقة طبيعية لعهد الأقوياء تعيد لهم الثقة بدولتهم ومؤسساتها جميعاً بأن تعثّر تشكيل حكومة الأقوياء يعود إلى اختلافهم على توزيع الحقائب السيادية ومن ثمّ الخدماتية على الأصدقاء والأزلام وعلى المستزلمين، والتضحية تبعاً لذلك بنظرية حكم الأقوياء التي كما يُقال دفع لبنان الدولة والكيان ثمناً غالياً بسببها ولأجلها.

لا أعتقد بأن أحداً من المتابعين لمسار تأليف الحكومة مقتنع بأن السبب الأساسي الذي حال دون تأليف أولى حكومات العهد القوي هو تمسك الرئيس نبيه برّي بحقيبة المالية من حصة الطائفة الشيعية التي يتكلّم باسمها ويدافع عن حقوقها أو تمسّكه بحقيبة الأشغال العامة بوصفها خزّان الخدمات وحرمان القوات اللبنانية التي تشكّل الرقم الرابع في حسابات الأقوياء، أو التمسّك بإعطاء حقيبة خدماتية لحليفه وحليف حليفه رئيس تيّار المردة النائب سليمان فرنجية أو تمسّكه بتوزير ممثّل عن الحزب القومي السوري وآخر عن حزب الكتائب بوصفهما صوّتا ضد انتخاب الجنرال رئيساً للجمهورية على الرغم من أهمية هذه الأسباب في حسابات التوازنات السياسية داخل الحكومة في مطلع العهد الجديد، بقدر ما هناك أسباب أخرى أعمق من مسألة اختلاف الأقوياء على الحصص ولعلّ أولها الإنعطافة اللافتة للعهد الجديد في اتجاه العالم العربي وتحديداً المملكة العربية السعودية التي عادت بعد انتخابه رئيساً للجمهورية إلى الساحة اللبنانية بقوة لم نعهدها من قبل، الأمر الذي أثار حزب الله الذي يكنّ العداء للمملكة ويخوض ضدها معركة لا هوادة فيها بناء على إيعاز إيراني وبالتنسيق التام مع حكومتها ومرجعيتها الدينية، وقرّر الحزب على ضوء ذلك ردّ الصاع صاعين بدءاً بعرقلة تشكيل الحكومة التي يُشكّل تأليفها إيذاناً بانطلاقة العهد ووصولاً إلى تدفيع العهد ثمناً غالياً لهذه الإنعطافة يكون على حساب انطلاقته الموعودة، وعلى حساب قوة الدفع التي وصل فيها إلى بعبدا، وبكلام أكثر وضوحاً أراد الحزب أن «ينفّس» هذه الإندفاعة ويجبر العهد الجديد المسمى عليه لإعادة النظر في حساباته الداخلية والعربية والخارجية التي أخذت منحى مختلفاً عن حساباته وخياراته الإقليمية والدولية، الأمر الذي أدى إلى التعثّر في تأليف الحكومة تحت عنوان الخلاف على الحصص والمحاصصة وليس تحت عنوان التحوّل الذي ظهر في سياسة العهد الإقليمية والخارجية على حدٍّ سواء.