IMLebanon

قصة إخراج جمال سليمان وزوجاته من «الميِّة وميِّة»

 

كيف خرج الأمين العام لحركة «أنصار الله» جمال سليمان من مخيم المية ومية، وما هي تفاصيل المخاض الذي سبق ترحيله، وأي أدوار كانت لـ«حزب الله» والرئيس نبيه بري وحركتي «فتح» و«حماس»، ومن هم الرابحون مما حصل؟

 

«الجمهورية» تنشر القصة الكاملة لرحلة الخروج:

 

بعد جولات متلاحقة من المعارك، تمنّت «فتح» على «حزب الله» إيجاد حل جذري لظاهرة جمال سليمان على قاعدة إخراجه من المخيم، «لأنّ بقاءه فيه سيبقي الوضع متوتراً، وقابلاً للانفجار في أي لحظة».

 

وعد «حزب الله» بدراسة الأمر، فيما كان الجهد يتركّز في المرحلة الاولى على تحقيق التهدئة، لكنّ الإشتباكات ما لبثت أن تجدّدت بعد ظهر يوم الجمعة في 26 ت1، على رغم لقاء المصالحة قبل الظهر، فعاود «الحزب» اتصالاته مع طرفيها لتطويق الموقف، في وقت كانت «فتح» تصرّ على إخراج سليمان من المخيم، في اعتباره مدخلاً اساسياً نحو استعادة الاستقرار المفقود.

 

بالتزامن، كان سليمان قد أبلغ الى الشيخ ماهر حمود وحركة «امل» استعداده للمغادرة، فلمّا وصل الخبر الى الرئيس نبيه بري، علّق قائلاً: «نحنا جاهزين لنسهّل طلعتو، بس لوين بدنا ناخدو..».

 

أمّا «الحزب»، فقد أدرك انّ استمرار وجود سليمان في «المية ومية» بات يشكل عبئاً عليه وعلى واقع المخيم والجوار، خصوصاً انّ ملفه الأمني أصبح مثقلاً بـ«حمولة زائدة»، إلّا انّه كان يرفض في الوقت ذاته أي محاولة لتصفية الرجل او اقتلاعه بالقوة من مربّعه الأخير. لقد توصّل «الحزب» الى قناعة بأنّ المعادلة الأنسب تكمن في ضمان حماية المخيم وبقاء فصيل «أنصار الله»، في مقابل ترحيل سليمان.

 

وعليه، تلقت «فتح» وعداً من «حزب الله»، يوم السبت في 27 ت1، بالعمل لإخراج سليمان من المية ومية خلال اسبوع، ولكن ليس تحت النار، طالباً تثبيت الهدوء لترتيب مغادرة الرجل بشكل يحفظ الحد الأدنى من ماء وجهه.

 

وفوراً، باشر «الحزب» في تحضير الأرضية المناسبة لترحيل سليمان من المخيم، وتحدّد موعد إخراجه ليل السبت الماضي في 3 تشرين الثاني، لكن عند الاستعداد للتنفيذ على الارض، فوجئ «الحزب» بأنّ عدد الذين سيغادرون معه كبير، في حين انّ التدابير اللوجستية المُتخذة لم تكن تتناسب مع متطلبات هذا العدد، فتقرّر إرجاء مهمة الإجلاء الى وقت آخر.

 

ومع انقضاء الاسبوع الذي حدّده «الحزب» لإخراج سليمان، من دون نتيجة عملية، تسرّب القلق الى صفوف قيادة «فتح»، التي كانت تخشى من عدم التنفيذ، فتجدّد التوتر الميداني على خط التماس، بالتزامن مع شد الخناق على سليمان ومجموعته، في إطار زيادة جرعات الضغط لدفعه الى الرضوخ.

 

يوم الاثنين الماضي، إجتمع القياديان في «حماس» اسامة حمدان وعلي بركة مع السفير الفلسطيني لدى لبنان أشرف دبور ومسؤول «فتح» في لبنان فتحي ابو عردات، بعدما كان وفد من «حماس» قد اخترق الطوق المضروب على سليمان والتقى به في مقرّه المُحاصر، مشدداً امامه على ضرورة إنقاذ المخيم وتقديم التنازلات من اجل مصلحته العليا.

 

خلال الاجتماع مع دبور وابو عردات، أكّد وفد «حماس» على ضرورة بذل كل الجهود الممكنة لاسترجاع الحياة الطبيعية في «المية ومية»، لأنّه «لا يجوز ان نخسر المخيم كما خسرنا في السابق نهر البارد». ودعا الى السماح للمهجّرين الفلسطينيين بالعودة الى منازلهم في المنطقة الواقعة تحت سيطرة «فتح».

وفيما اعتبرت «حماس» انّه من الضروري بقاء حركة «انصار الله» في المخيم لانّها جزء من مكوناته، على ان يتولى ماهر عويد قيادتها، رحّبت «فتح» بهذا الطرح، مشيرة الى انّ المهم لديها ان يغادر جمال سليمان.

 

ولاحقاً، أبلغت «حماس» الى «حزب الله» حصيلة اللقاء مع «فتح»، فأوضح «الحزب» انّه كان بصدد إنجاز عملية ترحيل سليمان السبت الماضي، لكنها تأجّلت لأسباب لوجستية فقط، إضافة الى انّ ماهر عويد لم يكن جاهزاً بعد لتسلّم مسؤولياته الجديدة.

 

وأمس، التقى ابو عردات وبركة مرّة أخرى في جلسة جانبية، على هامش مشاركتهما في ندوة في مطعم «الساحة» على طريق المطار، حيث جرى تثبيت ما تفاهما عليه أمس الاول، وقرّرا استئناف التواصل بينهما ليلاً لمتابعة آخر التطورات.

 

في هذا الوقت، تجدّد الاتصال بين «حماس» و»الحزب» الذي اكّد مضيه في تنفيذ قرار ترحيل سليمان، مرجحاً إتمام الامر خلال ساعات، فنقلت «حماس» ما تبلّغته الى «فتح» التي الحّت على وجوب إنهاء هذه المسألة، فأتاها الرد: نحن واثقون مئة بالمئة في انّ سليمان سيخرج قريباً جداً، وهذا ما جزم به الحزب»..

 

نحو الساعة الواحدة و45 دقيقة فجر أمس، دخل موكب سيارات الى المربّع الذي يضمّ الأمين العام لـ«أنصار الله»، آتياً من جهة بلدة المية ومية، حيث تمّ نقل سليمان ونحو 20 شخصاً، من بينهم زوجاته الثلاث وأولاده ومرافقيه الى مكان آمن في محيط بيروت كمحطة اولى، على ان يغادر لاحقاً الى سوريا حيث تبيّن انّه يملك منزلاً ومزرعة.

 

وقد تولّى الموكب ذاته إدخال ماهر عويد، وهو ابن شقيقة سليمان، الى المخيم حيث تسلّم رسمياً مقرّ قيادة «أنصار الله»، علماً انّه سبق ساعة الصفر، إجتماع بين موفد من قيادة «حزب الله» ومسؤولين أمنيين لبنانيين في صيدا، إيذاناً ببدء العد العكسي لعملية إخراج سليمان.

 

ويمكن القول، إنّ كل القوى المعنية كانت رابحة من صيغة الحل، إذ ظهرت «فتح» منتصرة ميدانياً، واستطاع «أنصار الله» ضمان استمراريته، ونجح «حزب الله» في حماية فصيل فلسطيني حليف وإخراج سليمان سالماً، وتخلّصت الدولة اللبنانية من عبء أمني ثقيل، واستعاد أهل المخيم والجوار اللبناني الاستقرار، واطمأنت «حماس» الى تعطيل مشروع تفريغ «المية ومية» من اللاجئين بكل ما يحمله من مخاطر.