IMLebanon

قصة «نوم» جعجع على وسادة «كوابيس» الحريري

 

وعدَ رئيس الحكومة سعد الحريري أن «يَبقّ» البحصة بخصوص كشف الذين طعنوه في الظهر وحاولوا التشويش عليه في السعودية. وسواء وَفى بوعده أم اضطر الى صرف النظر عنه، فإنّ المؤكّد انه لو فعل ذلك، فإنه لن يذيع كثيراً من الأسرار، نظراً لأنّ ما كان يصدر ضده من انتقادات كانت معروفة لمَن أمكنه استِراق السمع الى الهَمس المتصاعد من كواليس بعض حلفائه في 14 آذار، وذلك طوال النصف الثاني من السنة الاولى من عهد الرئيس ميشال عون.

وقبل تفصيل الأمر الرئيس الذي تسبّب بالتباين الناشِب بين «القوات اللبنانية» و»بيت الوسط»، يظل لدى مُتابعي هذا الملف – وهم ليسوا فقط قوى داخلية بل قوى اقليمية ايضاً- اهتمام من قبل برصد إمكانية إصلاح الأمور بين الطرفين ولو على اساس إبرام «تسوية الحد الأدنى» بينهما.

وفي المعلومات انّ ثلاثة اجتماعات حصلت حتى الآن بين «القوات» و»المستقبل»، نجحت في إحراز تقدّم وحيد تمثّل بإنهاء حالة القطيعة، ولكنها لم تؤد الى تجاوز آثار الماضي القريب.

ثمّة تغيير له معنى أقدَم عليه تيار «المستقبل» على مستوى ممثليه للاتصال بـ«القوات»، تَمثّل في تعيين النائب السابق مصطفى علوش ومعه النائب سمير الجسر للقيام بهذه المهمة.

تعيين علوش يؤشّر الى رسالة ايجابية لمعراب كونه يعتبر من الجناح «المستقبلي» الذي يفضّل التحالف مع «القوات» على التحالف مع «التيار البرتقالي». ولوحظ أخيراً انّ الحريري قام بلفتة تقدير تجاه علوش من خلال دعوته الى حضور جلسة كتلة «المستقبل»، على رغم أنه نائب سابق.

وبالعودة الى أزمة «المستقبل»- «القوات»، لا شك في أنّ فتح جَردة الحساب حول تباينات الطرفين خلال الفترة الماضية، ستظهر أن مسار المشكلة بينهما، تجمعت منذ البدء وحتى الآن، عند نقطة مكثفة اساسية، عنوانها نشوب نزاع صامت، ولكن لا هوادة فيه، على استقطاب الحريري، وذلك بين جبران باسيل وسمير جعجع اللذين يُعدّان القطبين المسيحيين الأقوَيين، ولكليهما طموحات لنيل رئاسة الجمهورية، أو أقله بالنسبة الى جعجع تنصيب نفسه «ناخباً مَلكاً».

فكيف تجمعت غيوم هذا النزاع في معراب؟

تقع معراب نسبياً في منطقة نائية، وذلك قياساً بموقعها البعيد عن مركز الحدث في بيروت وضواحيها الشرقية. وداخل مبنى معراب الذي وَصفه غسان تويني يوماً بـ«القلعة»، يتحصّن جعجع الذي يثابر على العمل طوال نهاره، وايضاً خلال قسم غير قصير من الليل.

وفي معراب يقيم مع جعجع مساعده الأبرز، وهو «حَذره المفرط» الذي تملّك منه نتيجة تجاربه السابقة. ومرة كل اسبوع طوال السنة الاخيرة، حرص جعجع على عقد اجتماع لوزرائه، ليوزّع عليهم خلاله مهمات ادوارهم في الجلسة الحكومية المقبلة.

كانت خطته واضحة، وهي تحقيق أداء «قواتي» في الحكومة ناجح بمعايير الشفافية والتمترس عند ثوابت معراب السيادية، وايضاً تَعمّدَ إبراز هذه المعايير لوزراء «القوات»، خصوصاً في مقابل هفوات او تساهل في هذه المواضيع قد يرتكبها وزراء «التيار الوطني الحر».

وبعيداً عن جلسات الحكومة، كانت حواس جعجع الست ترصُد خفايا مجريات علاقة الحريري بباسيل، المُتّصِف بأنه «سوبر وزير» ومنطلق كـ«صاروخ باليستي» لنَيل لقب «فخامة الرئيس».

إستمع جعجع من وزرائه الى كثير من أخبار انسجام باسيل مع الحريري حيال القضايا التي يتمّ طرحها في مجلس الوزراء، وحدّثوه كيف انّ رئيس الحكومة يُسايره في إمرار الملفات التي يطرحها الأخير، وكيف انه في الغالب يختار الوقوف الى جانب وزراء «التيار الوطني الحر»، وذلك كلما حصل تباين بينهم وبين وزراء «القوات».

وخلاصة القول إنّ متابعة جعجع لتفاصيل علاقة باسيل بالحريري أوصلته الى اقتناع راسخ بأنهما ذاهبان الى «حلف استراتيجي»، وأن ما بينهما ليس مجرد لقاء على مستوى التنسيق الحكومي او لقاء مصالح سياسية وظرفية عابرة.

وفوق منضدة علاقة جعجع بالحريري يوجد ملف ليس من السهل عليه نسيانه أو كبت انزعاجه منه، وفَحواه هي الطريقة الدراماتيكية والمتفاجئة التي أدار بها الحريري تكتيكاته لإنهاء ملف الشغور الرئاسي.

فالمفاجأة التي أهداها الحريري لجعجع حينها، والمتمثّلة بإقدامه على ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، لا تزال ترددات الصدمة التي أحدثَتها في معراب ماثلة حتى الآن. لقد وضعه الحريري حينها بين خيارين مرّين لا ثالث لهما: فإمّا انتقاء الخطر الوجودي وهو فرنجية، أو الخطر الأقل حدّة وهو عون. وسارَع جعجع حينها الى تجرّع كأس الخطر الثاني مُضطرّاً لا بطلاً.

والفكرة المركزية التي وَجّهت جعجع خلال النصف الثاني من العام الاول لرئاسة عون، هو عزمه على الّا يسمح للحريري بتكرار التجربة نفسها مع معراب عندما يحين موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وبكلام أوضح، قرر جعجع اتخاذ كل الاجراءات السياسية المبكرة التي تُفضي الى منع أن يؤدي مسار تفاهم الحريري – باسيل الى تحالف انتخابي يدعم مشروع «فخامة باسيل» ويضع معراب بالتالي امام «أمر واقع رئاسي» مُشابه لِما حدث خلال عامي 2016 و2017.

والحق يقال انّ جعجع حاول حل هذه الاشكالية مع الحريري «بالتي هي أحسن»، ومن دون ان يضطر الى خوض «حرب استباقية» تؤدي الى تكبيل جموح علاقته بباسيل، وذلك حسبما يقول مصدر في «التيار الأزرق» محسوب على الاتجاه «المستقبلي» الذي يفضّل التحالف مع جعجع على التحالف مع باسيل.

ويورد هذا المصدر أنه خلال الصيف المنصرم خطرت لجعجع فكرة تفي بهدفه هذا، وهي الطلب من الحريري إنشاء تفاهم مبكّر مع معراب بخصوص إيجاد ادارة مشتركة بينهما يتم اعتمادها لمواجهة استحقاق الانتخابات الرئاسية في اي وقت يحدث. ولكن الحريري أدار ظهره لهذه الفكرة.

تسارَعت قياسياً وقائع الفتور بين «بيت الوسط» ومعراب خلال الاشهر الماضية، ولم يبق بينهما الّا القليل من الصِلات، فيما العلاقة بين الحريري عبر قناة نادر الحريري مع باسيل كادت تصبح شبه لحظوية، وتراكمت خيوط انسجامها بوتيرة متسارعة.

وكان بديهياً من منظار مؤيّدين لجعجع، ان يَتوجّس الاخير من علاقة الحريري مع باسيل، إنطلاقاً من اسباب عدة حَتّمَت عليه كلها – من وجهة نظرهم – أن يأخذ «وضعية الدفاع عن النفس»، وذلك من خلال اتخاذ «إجراءات التحَسّب المُبكرة» الهادفة الى قطع مسار الحريري مع باسيل الذي سيفضي حتماً، فيما لو استمر، الى أن يكرر الحريري مع معراب المشهد نفسه الذي وضعها فيه عام 2016، عندما حاصَره داخل أصعب خياراته لجهة المفاضلة بين مرشحين لرئاسة الجمهورية لا يرغب بهما، اضافة الى خلق معادلة رئاسية تغتال حتى «شبهة الفرصة» لنَيل جعجع الرئاسة.

السبب الثاني الذي أثار هواجس جعجع من الحريري، هو ملاحظته اّن علاقة «المستقبل» بـ«التيار الوطني الحر» باتت تأكل من صحن «القوات» السياسي، وليس من أي صحن سياسي آخر.

ومثلما اضطر جعجع الى أن يطرق باب عون لتخريب مبادرة ترشيح الحريري لفرنجية، عاد جعجع أخيراً للاضطرار الى طرق باب فرنجية لقطع الطريق على مسار يتخذه الحريري قد يفضي الى ترشيحه باسيل.

والواقع انّ لعبة «هَرولة « جعجع داخل ممر مفاجآت الحريري الرئاسية أتعبت معراب، وصارت من منظارها أشبه بلعبة سيرك مفروضة عليها، وبالتالي لا بد من شَن هجوم سياسي معاكس لإرغام الحريري على وقفها.

في هذا الاطار تنكر معراب انّ جعجع تَوسّل علاقته بالرياض للضغط على الحريري لحلّ خلافاته الداخلية معه، وتؤكد أنّ كل الخطط التي وضعتها لبناء سدود أمام طموحات باسيل هي لبنانية، ومن بينها إبرام حلف انتخابي مع «المردة» والنائب بطرس حرب وقوى أخرى اذا اقتضى الأمر، لإسقاط باسيل في الانتخابات النيابية.