IMLebanon

خلفيات الإنقسام اللبناني حول الحرب على أوكرانيا؟

 

 

لا يمرّ حدث سياسي في الخارج، إلّا ويكون اللبناني في صلبه. اليوم الحرب على أوكرانيا وأمس ناغورنو قره باخ وقبلها الثورة السورية وغيرها من الأحداث، تجعل اللبنانيين يحشدون مع هذا الفريق أو ذاك. فما السبب، في حين أنّ اللبناني هو نفسه بحاجة لمن يقف معه وينتشله من جهنم الذي وصل إليها بـ«إرادته».

مع انطلاق الحرب الروسية على أوكرانيا، ضجّت ولا تزال مواقع التواصل الاجتماعي اللبنانية بتعليقات حول هذه الحرب، منها ما هو داعم لأوكرانيا ومنها للرئيس فلاديمير بوتين.

 

خلفيات التعاطف اختلفت، امتزجت بين الاعتبار السياسي والإنساني والمبدئي. فيعتبر فريق، انّ قضية أوكرانيا تشبه قضيته في النضال والمقاومة وعشقه للحرية حتى الشهادة، وذاكرته الجماعية تجعله عفوياً مؤيّداً لها، فيما آخر يؤّيد روسيا انطلاقاً من عدائيته التاريخية للولايات المتحدة الأميركية. ويردّ طرف آخر، كيف يكون البعض ضدّ إسرائيل لأنّها تحتل ارض الغير ويؤيّد غزو روسيا لدولة مستقلة ذات سيادة؟

 

وسط هذه الزحمة في الآراء، ينظر العديد من أصحاب العلم والفكر السياسي والاجتماعي إلى هذه الظواهر التي ترافق اللبنانيين عند كل حدث خارجي على أنّها ظواهر غير صحية، يتأثر بها اللبناني لأسباب عدة، أبرزها ميله الدائم للتعاطي بالعمل السياسي، ولو حول قضايا خارجية، يُنزلها على واقعه المجتمعي، ويقاربها من منطلق إما طائفي أو حزبي أو سياسي، بسبب انقسامه الطائفي والسياسي…

 

وهو ما تسمّيه الدكتورة أديبة حمدان أستاذة العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية بـ»الانحياز العاطفي غير العقلاني».

 

وهو يفسّر تعاطف أو عدم تعاطف المواطن اللبناني مع أي قضية سياسية خارج لبنان، وجعل نفسه جزءاً منها، واستعداده لتبنّيها بغض النظر إذا كانت لصالحه أم لا. ومردّ ذلك بحسب حمدان، «وجود نوع من البحث عن «الانتماء». ولأننا نعاني من زعزعة في مسألة انتمائنا وهويتنا، غالباً ما نفتش عن عوامل خارجية لندعم هذا النقص في هذا الإنتماء».

 

السياسي توفيق الهندي، يصف خلال حديثه لـ»الجمهورية» وقوف اللبناني في صف هذا الفريق أو ذاك، بأنّها ردة فعل «غددية». ويوضح، أننا «نؤيّد مبادئ هذا الغرب، أي الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، إنّما هذه العناوين باتت أدوات بيد المسؤولين في هذا الغرب ويستثمرونها في سبيل تحقيق مصالحهم وليس مصالح شعوبهم. لذا، فإنّ غباوة الانتماء الى هذا الغرب مرفوضة، فهو تخلّى عن المبادئ الأساسية التي قام عليها».

 

«في بلد صغير يفتقد للأمن والأمان ويفتقد للاستقرار وللنظام السياسي المتين، عادة ما نكون عرضة لما تسمّيه حمدان «الرياح العابرة»، التي تأتي من الغرب أو من الشرق، من القريب العربي أو الغريب الغربي، في مسار بحث مستمر عن نوع من سند ودعم لما نؤمن به، وهو دليل على الضعف الكامن في الانتماء وعلى مستوى الأمان الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والأمني. وجود عوامل كعدم الاستقرار وغياب السيادة القوية، تجعل اللبناني يتعلق بقضايا خارجية بحثاً عن قوة وسند وعن تعويض للنقص الموجود».

 

وتضيف: «نحن مجتمع طائفي. وانتماؤنا للطائفة يغلب انتماءنا للوطن، وهذه أزمة بحدّ ذاتها، تجعل الفرد يمتلك شخصية وطنية هشّة، بموازاة الانقسام المستمر على قضايا داخلية، يُنتج نقصاً على المستوى الفردي والجماعي، يجعل كل مواطن لبناني إلى أي فئة انتمى، يفتش عن نقاط قوة ولو خارجية، لتحشيد وتدعيم مواقفه وما يؤمن به على حساب الآخرين، ولو أدّى إلى مزيد من الانقسام الداخلي.

 

وهذا يسري على قضية مثل أوكرانيا التي تدخل فيها أميركا أيضاً الى جانب روسيا. لذا من الطبيعي ان نرى بين من هو مؤيّد لأميركا وآخر مؤيّد لروسيا. كما انّ الانقسام الطائفي في البلد، يجعلنا نعبّر عن هذه الطائفية بصورة مصغّرة بين بعضنا البعض، وبشكل كبير عبر قضايا عالمية. فيتمّ إنزال التركيبة الطائفية المكوّن منها المجتمع اللبناني، على القضايا العالمية الكبرى، فنرى طائفة تؤيّد روسيا طائفياً، وأخرى تؤيّدها سياسياً، وطائفة ومجموعات تؤيّد أوكرانيا سياسياً، أو انطلاقاً من ذاكرتها الجماعية النضالية القائمة على ثوابت مبدئية وإنسانية. وطالما لدينا تشرذم طائفي وشخصية قاعدية هشّة ضعيفة، من الأكيد اننا سنكون بمهبّ أي قضية جديدة تطرأ على حياتنا اليومية».

 

يتفق حمدان والهندي على ضرورة تحييد لبنان عن صراعات الخارج، نظراً لصغر بلدنا، ولتركيبته الهشة طائفياً.

 

ويرى الهندي، أنّ «لبنان يجب ان لا يصطف مع أي فريق في هذه الأزمة، ويعتمد الحياد، خصوصاً أنّ دولاً أكبر وأقوى منه لم تنحز لأي فريق». ويلفت إلى أنّ «القضية بين روسيا وأوكرانيا ليست واضحة، كما نتائجها، في ظل التفاوت بين مصالح الدول الغربية. كما انّ المنظمات، مثل الناتو ومجموعة الـ7 ومجموعة الـ20 وحتى الأمم المتحدة، يَظهر، كما قال الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، أنّها بحاجة إلى إعادة نظر، لأنّها لم تعد كيانات فعّالة، ملمّحاً إلى وجود نوع من مزايدة وبيع وشراء في مواقف اللبنانيين».

بدورها تسأل حمدان: «لماذا لا نقرأ ما يحصل في أوكرانيا بمنحى إنساني واقتصادي وليس بمنحى سياسي؟ ما هو مصير أبنائنا الموجودين هناك؟ ما هو مصير البضاعة المستوردة من أوكرانيا؟ لماذا لا يتمّ حصر التحيّز إنسانياً فقط؟ وتتمنى في الختام لو انّ لبنان يحيّد نفسه عن القضايا الخارجية ويتنبّه لقضاياه الداخلية.

 

يبقى في الختام، الاستشهاد بعبارة من عظة المطران الياس عودة الأخيرة، وهي أنّ «الإنسانية توحّد البشر رغم كل الفوارق بينهم». من هنا، كان التأييد والتضامن العالمي مع أوكرانيا وشعبها، الذين تمّ وصفهم بأنّهم أبطال العصر الحديث.