IMLebanon

هذه ملفات لقاء بعبدا…

تترقّب الأوساط السياسيّة اللبنانيّة اللقاء الذي دعا إليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عشرة من رؤساء التكتلات والأحزاب للتداول في النتائج التي بلغت إليها الحالة السياسيّة بعيد إقرار قانون الانتخابات القائم على النسبية الكاملة وخمس عشرة دائرة مع الصوت التفضيليّ على أساس وطنيّ. وينطلق الاجتماع كمنطلق جديد لمرحلة بدأت تتكوّن في الجوار المشرقيّ وبخاصّة في سوريا تستفيد من الاشتباك السياسيّ ما بين قطر والسعوديّة، وقد فقدتا القدرة على التدخّل في الجوف السوريّ بقوى أطلقتاها في سبيل إسقاط النظام، ثم بدأت تأكل بعضها بتقاتلها مع بعضها إسقاطًا للصراع غير الجديد وقد تفجّر بعد زيارة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب. وقد اتضح وبناء على معلومات واردة من مصادر دوليّة، وفي المعطى عينه المتواجد في قلب الحدث، بأن لبنان سائر إلى الاستقرار الكامل في مفاصل أساسيّة تعنى بخصوصيّته التكوينيّة من جهة والأمنيّة والاقتصاديّة من جهة أخرى وهما مرتكزان على تلك الخصوصيّة.

تحرص الأوساط السياسيّة على زجّ اللقاء الذي دعا إليه الرئيس عون في المعطى عينه، وتعتبر بأن الرئيس يملك القدرة على استنباط الرؤى بانكشاف ما هو منظور وسبر غور ما هو غير منظور، فسيتخرج المعطيات اللصيقة بسيرورة الحلّ بديناميات تستمدّ موجوديتها من الرؤى الاستراتيجيّة. فالرئيس يتقن فنّ استخراجها والتفاعل معها بعد تحليلها وسكبها في الحظة السياسيّة الحاليّة وتفعيلها على أرض الواقع في رسم خريطة سياسيّة جديدة في العلاقات الداخليّة وتفعيلها أيضاً لمصلحة انطلاقة العهد وديمومته بلا عطب ولا ثغر. وعلى هذا فإنّ المعلومات الواردة على لسان مقرّبين من قصر بعبدا تظهر بأنّ نمطية اللقاء مختلفة عن الأنماط التي كانت سائدة، والنمطيّة في شكلها ومضمونها مرتبطة بالعناوين التي شاءها الرئيس مسرى للنقاش مع المدعوين حولها، ذلك أنّ الأنماط السابقة كانت تتحرّك في حوض فارغ نسبيّاً بسبب الوقت الضائع المتسرّب إليه والمؤثّر، في حين أنّ الظرف الحاضر يتحرّك بمجموعة حلول وتسويات على إيقاع اشتباكات سياسيّة في المقلب الآخر، فيؤول ذلك إلى تلهي من كانوا شغوفين بالعبث العبثيّ عنه بعدما ارتدّ عليهم بصورة سلبية وصاعقة.

يعتبر هؤلاء المقرّبون من بعبدا، بأنّ جدول الأعمال وضع بدقّة. ستكون للرئيس في مطلع الاجتماع كلمة يركزّ فيها وبمضمونها المتين على أسباب دعوته رؤساء الكتل والأحزاب للاجتماع في قصر بعبدا. فهو وبحسب هؤلاء مهتمّ بتوفير شبكة أمان سياسيّة واقتصاديّة، تنطلق بدورها من المعادلة الجديدة الراسية في بنية القانون الانتخابيّ الجديد، كحالة تسوويّة ساهم بها كلّ الأفرقاء ورضيوا بها. ويستند الرئيس في ذلك على مجموعة قرارات بدأت تتبلور تدريجيًّا كنتيجة للمداولات بينه وبين الرئيس سعد الحريري وعدد كبير من القوى السياسيّة، منها:

1-الانطلاق في مشروع الحسم العسكريّ والأمنيّ في جرود عرسال. والحسم سيكون بالضرورة استراتيجيًّا لكونه سيطلّ على عناوين ضابطة وحاسمة في عدد من الأماكن المعتبرة بؤراً للإرهاب، وسيؤثّر بدوره على دائرة مخيّم عين الحلوة فيؤول ذلك التأثير إلى فرض القوى الأمنيّة شروطاً جذريّة تقتضي بتسليم معظم الإرهابيين القاطنين والمحتمين في المخيم للقوى الأمنية اللبنانية في سبيل محاكمتهم. فلا أحد بعد تبدّل الأوراق قادر على احتضان هذا الملفّ عربيّاً ودوليّاً المطلوب هو استقرار لبنان، وداخليّاً يتطلّع الرئيس إلى ترسيخ سيادة الدولة على معظم التراب اللبنانيّ.

2ـ مكافحة الفاسدين فثمّة ملفات عند الرئيس غير قابلة للمساومات والمداخلات، وتقول المعلومات بأنّ ثمّة اتفاقاً كبيراً بين رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة كسلطة تنفيذيّة بالمضيّ نحو فتج الملفات وقد بدأت بملفّ عبد المنعم يوسف وستنتهي بملفات أخرى ملف طيران الشرق الأوسط، فلن يكون ثمّة غطاء إنقاذي من أي كان لأي كان، وهذا شرط يعتبره الرئيس لتكوين دولة جديدة في هذا العهد. لقد كان جزءاً من نضاله وهو مستمرّ فيه خلال عهده.

3-معالجة الأزمة الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة جدّاً بفعل الغلاء الفاحش، وعدم التوازن بينه وبين الرواتب، فضلاً عن ملفات ضاغطة منها ملف الكهرباء والماء. ويطلّ الرئيس بهذه المعالجة على معظم القطاعات لترسيخ الانتاجية وتعميمها من سياحيّة وصناعية وزراعية…

4-تفعيل السلطة القضائيّة من أجل حمايتها من المداخلات السياسيّة ومن أي تأثير يمكن أن يتسلل إلى الجسم القضائيّ ومنه إلى السلطة القضائيّة بفرض أحكام معينة. فهذه عند الرئيس مسألة بالغة الدقّة ولن تكون تحت مقصل السياسة والأمن، سيّما وقد تكاثرت الجرائم بصورة فظيعة وغير متوقعة.

تلك الخطوط الأساسيّة براي المصادر ستكون جزءاً لا يتجزّأ من هدفية اللقاء. وقد اتضح في عقل الرئيس ومعاونيه، بأن نجاح العهد يتبلور من قدرته على إبداع المقاربات بين معظم المكونات الطائفيّة والأحزاب السياسيّة في لبنان. وقد أشارت تلك المصادر بأنّ إقرار القانون أمّن حالات موضوعيّة في علاقة الأحزاب ببعضها وبلوغ بعضها نحو منعطفات جديدة ومضيئة، سيستفيد منها الرئيس لتعميمها وترسيخها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لقد زال سياج العداوة بين حزب الله وتيار المستقبل في ظلّ حرص مشترك أبداه الطرفان على تقييم موضوعيّ للواقع الداخليّ متفاعلاً مع طبيعة الصراع في المنطقة، فيما العلاقة بين القوات اللبنانية وحزب الله، وعلى الرغم من رسائل إيجابية تم تبادلها بين الجانبين لا تزال تحتاج لبنائها، وهنا يبرز تسليم بدور رئيس الجمهورية في عملية البناء ضمن جدول أعمال له خصوصيّته ضمن البنود التي كانت سببًا حال دون التلاقي ولا بدّ من تبديدها.

وتترقّب أوساط سياسيّة لقاء بين رئيس الجمهورية والنائب سليمان فرنجيّة بعد قطيعة طويلة. تنطلق تلبية فرنجية لهذه الدعوة من دور أبداه حزب الله على وجه التحديد دعا خلاله فرنجيّة بان لا يكون منفصلاً ومعصوماً عن مسرى الأحداث المقبلة. كسر الجليد المنتظر سيستثمر من قبل الطرفين لتصويب العلاقة التي انقطعت. لقد لاحظت تلك الأوساط هدوءاً نسبيّاً في علاقة القواعد على صفحات التواصل الاجتماعيّ، وقد جاء ذلك بسبب حرص مشترك من التيارين الوطنيّ والمردة على ترطيب الجوّ وترتيب المسارات في العلاقات، سيما بأنّ لقاءات ولو خجولاً بدأت تظهر بين بعض الكوادر في المردة والتيار قد يؤدّي إلى مصالحة تنهي اللحظات السيئة وتطرد الغيوم الداكنة من فضاء العلاقة بينهما.

اللقاء في قصر بعبدا بداءة لحسم عدد من الملفات وانطلاقة نحو بناء العهد، والانتخابات المقبلة ستكون المنطلق لاستكمال ما سيبدأه الرئيس من لحظة اللقاء من أجل سطوع البلد.