IMLebanon

إنزحوا . . . حتى نبقى

غريب أمرُ هؤلاء السادة الذين «نزحوا» من وراء الضباب الى مقاعد السلطة والحكم في لبنان، ومع أن هذا اللبنان لم يبقَ فيه شيء لم ينزح ولم يتعرض للنزوح، فما زالوا يمتطون ظهور الإبل في اتجاه الصحراء، ويلتقطون أذيال الخيل الجامحة الى بلاد العجم.

هذا اللبنان المضياف الذي ابتهجنا به ملجأً للمضطهدين، وملاذاً للهاربين من جور، لم يكفَّ عن تقاسم الخبز والملح مع أي طارىء أو طارق باب، حتى بات خبزه بلا ملح، وشعبه بلا خبز، وبيته بلا حُرْمة:

«نحن الضيوف وأنتَ ربُّ المنزلِ»

في تاريخه المنظور شهد لبنان ثلاثة أفواجٍ من النزوح:

1 – النزوح الأرمني: الذي أغنى لبنان بالعمل والجد وبركة اليد وصدق الولاء والوفاء

2 – النزوح الفلسطيني: الذي دمّر لبنان وشـلَّ دولته وزعزع وحدته وكبّل نهضتـهُ، مثلما دمّـر القضية الفلسطينية المحقّـة، وبعثـر ما حظيتْ به من تأييـد عربي ودولي.

3 – النـزوح السوري: الذي قد يكون أفدح خطـراً وأشـدّ ضرراً على الصعيد الوطني والقومي والميثاقي وعلى مكـوِّنات الوطن الحضارية وكيان الدولة المستقبلي.

– مسؤولون دوليون ورجال إستخبارات كبار تحدثوا عن توطين النازحين في المؤتمر الدولي الذي انعقد في حزيران الفائت في جنيف.

– عدد النازحين من مختلف الجنسيات بات يفوق كل التوقعات والإحصاءات الخجولة… فاجمعوا:

– السوريين الهاربين من براميل البارود، والسوريين الهاربين من الإحصاءات الرسمية، والسوريين القدامى الهاربين من براميل فرص العمل.

– الفلسطينيين الهاربين من وعد بلفور، والفلسطينيين الهاربين من وعد مخيم اليرموك في سوريا، العراقيين الهاربين من الهمجية الداعشية.

– غير المجنسين، ومكتومي القيد، ومئات ألوف العمال والخدم الأجانب.

– الولادات اليومية بالتوائم للنساء النازحات.

مع هذا المشهد المتأجِّـج الذي ينذر بالتفجُّر، نرى إطلالة خطر مستقبلي غامض، وخطرٍ آنـيٍّ يتمثل:

– بالمضاربة الفاحشة للقوى اللبنانية العاملة في شتى مجالات العمل والتجارة والخدمات، والإستهلاك المعيشي والصحي والغذائي والتربوي، ويتفاقم الخطر مع:

– جرائم القتل والسلب والخطف والدعارة والإغتصاب والإنهيار الخلقي والأدبي والإنساني.

مع كل هذه الأخطار الداهمة نرى «النازحين» الى الكراسي يتسلقون أحد أبراج مدينة «روما» والبلاد مطوقة بألسنة النار وفي داخلها أشرطة بشرية ناسفة.

ويقولون: عندنا قادة، ومسؤولون وحكام ووطنيون وأحزاب.

والأحزاب عندنا والقيادات، هي التي أوقعت الوطن في أزمة كيان ونظام، وأوقعت الصيغة الميثاقية في أزمـة فراغ وخصام، وأوقعت الشعب في أزمة نزاع وضياع، وأوقعت الدولة على خطوط التماس من الإفلاس.

أيها النازحون الى السلطة، والمحنَّطون في النواويس على رجاء القيامة.

لقد بات هذا الشعب يعيش على رجاء الموت، ولم يعد أمامنا وأمامكم إلا واحد من خيارين: إما أن تبقوا فنـنزح، وإما ان تنزحوا فنبقى.

ولأن عشرات المسؤولين لا يتساوون مع ملايين اللبنانيين.

إذاً… تفضلوا وانزحوا.