IMLebanon

هذا ما حصل بين برّي والحريري

قبل أيام قال الرئيس نبيه برّي «مجرّد أن تروا الرئيس المكلّف سعد الحريري في عين التينة، فمعنى ذلك أنّ الدخان بدأ يتصاعد». وبالفعل حضر الحريري، وأحيط حضوره بإيجابيات، وتبعاً لذلك هل تصاعد دخان التأليف فعلاً من عين التينة؟

في عين التينة إرتياح لما دار في اللقاء المطوَّل، والحريري غادر أكثر من مرتاح وعاد وأكد على تشكيل سريع للحكومة. وأوساطه تعتقد بقاءَ مناخ الإيجابيات مستمراً، قد يؤدي لولادة الحكومة الأسبوع المقبل.

طبيعي أن يخرج الحريري مرتاحاً من عين التينة، سمع من برّي نقاشاً منفتحاً وطروحات موضوعية وواقعية، وكلاماً هادئاً ومتعاوناً ومسهِّلاً لمهمته.

فلرئيس المجلس مقاربة موضوعية وواقعية للواقع السياسي ولمسار التأليف، ترتكز بالدرجة الاولى على التعاون الكلّي لتوليدها بسرعة وبلا تسرّع، وأن تكون الشهية السياسية مفتوحة في هذا الاتجاه، لا على مطالب وطروحات تعجيزية، وبالتالي اعتبار الحكومة فرصة لوضع أسس إعادة إنتاج الحياة السياسية وأوّلها القانون الانتخابي، لا بوصفها بازاراً مفتوحاً يحكمه النّهم على الوزارات!

الحريري مطمئن ومرتاح لجوّ رئيس المجلس، فقد سبق للرئيس المكلف أن نادى بحكومة جامعة، ولاقاه برّي بالتأكيد عليها وعلى ألّا تستثني أحداً.

أكّد برّي مجدّداً أنه لن يكون عقبة، بل سيبقى على ما درج عليه الرافعة وكاسحة الألغام، ويده ممدودة لأقصى درجات التعاون. وثمّة ملاحظة بالغة الدلالة بأنّ لا تباين بينهما في النظرة الى المطالب التعجيزية التي تُلقى كعصيّ في دواليب التأليف، من قبل بعض الزوايا السياسية.

إيجابية لقاء عين التينة، تعطي دفعاً وزخماً للحريري في الانطلاق نحو تجاوز العقبات المنظورة وغير المنظورة المائلة في طريق التأليف وتؤخر ولادة حكومته. هذه الأجواء الإيجابية التي لمسها الحريري، يؤكد عليها بري أيضاً، لكنه رغم منسوبها الذي ارتفع نسبياً في الساعات الأخيرة، ما زال يؤكد «أنّ الأمور في خواتيمها».

الأكيد أنّ الإيجابية التي وجدها الحريري في عين التينة مهمة جداً بالنسبة اليه، إلّا أنّ ما هو أهمّ للرئيس المكلف هو ألّا تكون هذه الإيجابية محصورة فقط بين عين التينة وبيت الوسط، بل أن تكون مساحتها أوسع ممّا هي عليه وشاملة كلّ المستويات والبيوت الأخرى، خصوصاً تلك التي تقول إنها صديقة وحليفة للحريري وحريصة على أن يشكّل حكومته في أسرع وقت ممكن، في هذه الحالة فقط يمكن له أن يتفاءل بولادة حكومية وشيكة.

لكنّ هذا التفاؤل يصبح جدّياً وقابلاً للاتكال عليه إن أمكن تذليل بعض العقد المرتبطة بحجم وكيفية التمثيل في الحكومة العتيدة:

– ماذا عن حصة رئيس الجمهورية ميشال عون في الحكومة، فهو يصرّ على حصة رئاسية (3 وزراء على ما يُقال) بمعزل عن حصة «التيار الوطني الحر» وتكتل «التغيير والإصلاح»؟ وهناك في المقابل مَن يرفض ذلك، باعتبار أنّ هذا الامر قد يفتح الباب امام بعض القوى، على مطالبات بحصص رئاسية لهذا الرئيس أو ذاك. وقد سبق لرئيس المجلس أن ادلى بموقف اعتراضي على هذا الامر.

– ماذا عن حصة «التيار الوطني الحر» وتكتل «التغيير والإصلاح»؟ (يُقال إنه يريد 4 وزراء) وهل هذه الحصة طبيعية أم مبالغ فيها؟ وهل ثمّة تسليم بذلك؟ وإن لم يكن الامر كذلك فما هو الحلّ؟ ومَن سيتنازل لمَن؟

– ماذا عن الوزارات السيادية؟ وماذا عن وزارة المالية تحديداً وما هو سرّ حماسة بعض الأطراف للاستحصال عليها وانتزاعها من بري؟

– ماذا عن المداورة التي ينادي بها «التيار الوطني الحر»؟ هل حسم أمر اعتمادها أم لا، وإن حسمت المداورة فهل ستشمل كلّ الوازارات المصنفة سيادية، أم إنها ستشمل المالية فقط؟ وماذا عن الوزارات الأخرى، وثمّة أطراف عاملة على خط التاليف قد حسمت تولّيها لوزارات معيّنة منذ الآن؟

– ماذا عن إشراك الكتائب في الحكومة، وأيضاً ماذا عن إشراك تيار «المردة»؟

– ماذا عن مسيحيّي «14 آذار» وكذلك المسيحيين المستقلّين ومنهم مَن له حضوره وتاريخه الذي لا يمكن إلغاؤهما أو القفز فوقهما؟

– ماذا عن تمثيل طائفة الروم الأرثوذكس، ولمَن سيُسند تمثيلها، هل سيُسند لحزبي أم لممثلين حقيقيين للطائفة؟

– ماذا عن المسلمين، وخصوصاً المستويات السنّية التي هي خارج إطار «14 آذار» وتيار «المستقبل»؟

– ماذا عن حصة «القوات اللبنانية»، وها هي تطالب بـ 4 وزارات، 3 لها بينها وزارة سيادية وواحدة للوزير ميشال فرعون. وماذا لو عمد بعض الأطراف الى الاقتداء بـ «القوات» واعتبر أنّ من حقه أن يطالب بنسب تمثيلية في الحكومة بذات القدر الذي تريده «القوات» وبذات نوعية الحقائب التي تطلبها. فكيف سيتمّ الخروج من هذا المأزق؟

إن أمكن تذليل عقد الحصص والتمثيل، فوفق أيّ اجندة سياسية ستأتي حكومة الحريري؟

اللافت في هذا السياق، الكلام الرئاسي عن أنّ الحكومة التي يتمّ تشكيلها ليست حكومة العهد، بل إنّ الحكومة الحقيقية للعهد هي التي ستتشكل وستفرزها نتائج الانتخابات النيابية. هناك مَن قارب هذا الكلام وكأنه ينطوي على محاولة نأي بالنفس عن تحمّل تبعات الصيغة الحكومية الجاري تشكيلها حالياً، إذ إنها حكومة انتخابات لن تحدث فارقاً نوعيّاً عما سبق، كونها ستُشكَّل حتماً من موروث تشكيل الحكومات السابقة.

ولأنها حكومة انتخابات، أعاد برّي إطلاق الصوت مجدّداً بضرورة حماية العهد، وألّا يُصار الى نحره. ووسيلة النحر في نظر بري تتجلّى في أمرين، الأول في التمديد للمجلس النيابي، والثاني في قانون الستين.

ومن هنا جاء كلامه عن قانون جديد للانتخابات على أساس النسبية. بهذا الكلام يرسم برّي هدفاً أمام الحكومة ليكون أولويّتها المطلقة وتلتزم بتحقيقه، ويقطع الطريق على أيّ أجندات أو تفاهمات خفيّة أو أحلام في رؤوس البعض أو رهانات من قبل هذا البعض على المماحكة والمماطلة والتأخير والتعطيل وكلّ شيء، للإبقاء على قانون الستين وفرضه أمراً واقعاً لإجراء الانتخابات النيابية المقبلة على أساسه.

إذاً القانون الانتخابي الجديد يُجدّد الحياة السياسية، وتنبثق عنه حكومة يراهن عون أن تكون الحكومة الحقيقية للعهد التي تتولّى تنفيذ برنامجه الإصلاحي الموعود.

ولكنّ العهد قد يكون أكثر الخاسرين في حال تمّ الإبقاء على قانون الستين وأجريت الانتخابات على أساسه، ذلك أنّ إجراء الانتخابات على أساس الستين معناها أنها ستفرز الخريطة النيابية القائمة حالياً من دون أيّ تغيير في موازين القوى.

والحكومة التي ستتشكل آنئذ ستكون مستنسخة عن الحكومات السابقة، خصوصاً عن الحكومة التي يجرى تشكيلها حالياً، وبالتالي سيبقى العهد مقيّداً ولن يكون في مقدوره أن يفعل شيئاً والحكومة الحقيقية الموعودة ستذهب أدراج الرياح.

يبقى أنّ مستويات سياسية عاملة على خط التأليف، لا ترى طريقاً سهلة أمام إنتاج قانون انتخابي جديد إنما ذلك ليس مستحيلاً، وتلاحظ أنّ ثمّة قوى مسلّمة ببقاء الستين وبالانتخابات على أساسه وبنتائجه على ما هي اليوم، وبالتالي تحاول الربح الآني والمستقبلي، عبر بعض المطالبات المبالغ فيها حول الحقائب الوزارية، لتفرض أمراً واقعاً في الحكومة الحالية، ولتكريسه أمراً واقعاً أيضاً في حكومة ما بعد الانتخابات!