IMLebanon

تلك هي الخطة للوصول إلى المؤتمر التأسيسي

مَن يراقب تسلسل الأحداث منذ عام 2000 وحتى اليوم، لا بد من أن يلاحظ ذلك التدرّج التصاعدي لتطبيق خطة الوصول إلى المؤتمر التأسيسي في لبنان.تلك الخطة باتت واضحة المعالم والملامح.

بدايتها الفعليّة كانت عام 2000 بعد إنسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، إذ اعتبر «حزب الله» أنّ إنجازاته وظروفه تسمح له بإعادة توزيع السلطة. والأخطر من ذلك أنّ رغبة «الحزب» تقاطعت آنذاك مع الأميركيين والأوروبيين الذين كانوا سباقين في اقتراح فكرة المؤتمر التأسيسي وهم كانوا يطرحونها في جلسات خاصة وخلال لقاءاتٍ مع مسؤولين لبنانيين، انطلاقاً من أنّ نزع سلاح «الحزب» لا بد أن تقابله عملية دمج في المنظومة اللبنانية، من خلال منحه مكاسب سياسية بديلة في مواقع السلطة وإدارتها.

أما اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 فصبّ في مصلحة مشروع المؤتمر التأسيسي، كونه عرّاب اتفاق الطائف والمناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وبصرف النظر عما إذا كان اتهام «حزب الله» بتنفيذ عملية الإغتيال صحيحاً أو خطأ، فإنّ ازاحة الحريري من الساحة السياسية بحدّ ذاتها، كانت ضربة لإتفاق الطائف الذي لا يزال يترنّح يميناً وشمالاً من جرائها.

وبعد حرب تموز 2006، اعتبر «حزب الله» أنّ استمرار الحكومة في عملها بعد استقالة الوزراء الشيعة منها، لا يمكن أن يتكرر، فطالب بضمانات أكبر واقترح فكرة الثلث المعطّل في الحكومة انطلاقاً من أن يُمنح «الحزب» القدرة على تعطيل اتخاذ القرارات الحاسمة على طاولة مجلس الوزراء في حال لم يوافق عليها. ولعل فكرة الثلث المعطّل كانت خطوة تجريبيّة لما تُسمّى المثالثة التي قد تكرّس في الدستور كنتيجة حتميّة للمؤتمر التأسيسي.

وها هو وزير الخارجية الفرنسي جان كلود كوسران بعد عامين من اغتيال الحريري عام 2007 يأتي إلى لبنان، ناقلاً إلى المسؤولين حينها تبلّغه من الإيرانيين باقتراح توزيع السلطة على قاعدة المثالثة وليس المناصفة مقابل تسليم «حزب الله» لسلاحه. يليها مؤتمر «سان كلو» الحواري حيث سمع اللبنانيون مجدداً بالإقتراح ذاته، من مسؤول فرنسي نقلاً عن مسؤولين إيرانيين.

أما الخطوة الأكثر وضوحاً بإتجاه المؤتمر التأسيسي فكانت عندما اقترح أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله مطلع عام 2012 «مناقشة خيار بناء الدولة وتطوير الفكرة إلى عقد مؤتمر تأسيسي وطني عنوانه بناء الدولة»، ما كان مؤشراً لرغبة دفينة لدى «الحزب» في الإطاحة بـ«المناصفة» ونهائية كيان لبنان وعروبته ونظامه الديموقراطي الحر. لكن ما لبثت أن تحوّلت الخطة إلى خطوات فعليّة تظهر من خلال أداء «حزب الله» متجاوزاً المطالبة الكلاميّة فحسب وتجلّت الخطة في النقاط التالية:

– الحؤول دون انتخاب رئيس للجمهورية من خلال تعطيل اللعبة الديموقراطية لجلسات الانتخاب عن سابق تصوّر وتصميم، وتفسير استنسابي لمواد الدستور التي تعالج هذه الحالة، ما يدفع الأمور إلى مزيد من التعقيد كمدخل لسلوك درب المؤتمر التأسيسي.

– تعطيل الإنتخابات النيابية بعد التمسّك بإقتراح قانون النسبيّة ورفض القوانين الأخرى المختلطة وغير المختلطة، والقبول بتمديد عمر المجلس النيابي ممّا يفقده مصداقيته ويعزز الفراغ.

– الإنقلاب على قرارات جلسات الحوار وأهمها «إعلان بعبدا» الذي قال عنه النائب محمد رعد في ما بعد «وُلِدَ ميتاً» و«ليبلّوه ويشربوا ماءه» بل أعلن بوضوح: «كل طاولات الحوار غير دستورية وما صدر عنها لا قيمة له».

– وضع يد «حزب الله» على المؤسسات كلّها بعدما نجح في السيطرة فعلياً على مواقع عدة في السلطة.

– الإستفادة من تصعيد العماد ميشال عون ضد الحكومة إلى حدّ التهديد بالإطاحة بها، ممّا سيؤدي إلى ضرب آخر المؤسسات الدستورية الباقية ودفع اللبنانيين إلى القبول بعقد مؤتمر تأسيسي، وقد جاء كلام النائب طلال أرسلان ليؤكّد هذا الإتجاه الذي يقود البلد إلى حافة مخاطر كارثيّة ليس أقلّها التأسيس لحرب جديدة قد لا تُحمد عقباها.

هكذا تساهم قوى 8 آذار وفي مقدّمها «حزب الله» بتعميم حالة من الإهتراء للوضع اللبناني، لأنه إذا بقيت المؤسسات صلبة ومتماسكة تقوم بدورها، ستكون عمليّة فرض المؤتمر التأسيسي صعبة.

من هذه الزاوية يمكن النظر إلى عمليات تعطيل «حزب الله» والفراغ والإمعان في دفع لبنان إلى حالة من اللاتوازن: من الفراغ الرئاسي إلى ضرب المؤسسات وحتى أزمة النفايات وتعميم الفضائح، سيؤدي ذلك إلى إكتمال الخطة فور انتهاء «الحزب» من الحرب السورية، ممّا يجعله «يفرض» مكافأة لنفسه بتغيير النظام مواكبة للمؤتمرات التأسيسيّة المنتظرة لكيانات عدة في الشرق الأوسط.