عندما انتُخب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية اللبنانية في 31 تشرين الأول 2016، هللت قوى سياسية عديدة وفي طليعتها تياره السياسي، “التيار الوطني الحر”، معتبرة أنها حققت إنجازاً تاريخياً بانتخاب “الرئيس القوي” واستعادت الدور والموقع المفقودين بحسب وصفها.
لا أحد ينكر حقّ “التيار” بالإحتفال بفوز رئيسه، وهو “التيار” الذي تمحورت كل حركته السياسية، منذ تأسيسه، لتحقيق هذا الهدف دون سواه وهو حق مشروع.
طبعاً، تعطيل النصاب في 43 جلسة للإنتخابات الرئاسية قبل توافر الدعم لعون، كان مخالفة دستورية أفضت إلى إفراغ المجلس النيابي من دوره، وحولته إلى مجرد صندوق إقتراع بعد تركيب التسوية التي ترنّحت أخيراً.
فالدستور يعطي القوى السياسية حق المشاركة في السلطة وليس حق التعطيل، وهو ما مارسه “التيار” في الإنتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومات والتعيينات العسكرية والأمنية والإدارية، ودائماً لتأمين مصالحه الفئوية الخاصة.
مهما يكن من أمر، وبمعزل عن هذه الحقائق التاريخية، قد يكون من المفيد إعادة تعريف، لا بل ربما تفكيك، مصطلح “الرئيس القوي” على ضوء الأزمة السياسية غير المسبوقة التي يمر بها لبنان، والتي أدت إلى “ثورة” غضب مشروعة عند شريحة واسعة من اللبنانيين.
“الرئيس القوي” لم يكن على مسافة واحدة من اللبنانيين، غاب عن السمع لمدة أسبوع بعد إنطلاق الثورة، ثم أطل بخطاب لم يلامس تطلعات الناس وطموحاتهم المحقة نحو التغيير، من دون التعليق على “المونتاج” السيئ لأنه مسألة شكلية ونالت قدراً أكبر من المطلوب من الإهتمام والمتابعة.
“الرئيس القوي” لم يسهل تأليف الحكومات (لا قبل انتخابه ولا بعده) متمسكاً بتوزير صهره، (وقد انتشر أخيراً فيديو قديم لعون يقول فيه “كرمى لعيون الجنرال عمرها ما تتشكل حكومة”، حرفياً)، ويبدو أن المنطق نفسه سيتكرر مع تأليف الحكومة الجديدة والتي تأخرت استشارات تكليف شخصية لرئاستها، وهي مخالفة دستورية أيضاً.
“الرئيس القوي” أُقفلت المؤسسات والشركات في عهده، وزادت الصفقات والسمسرات، واتخذت الحكومة (المستقيلة)، تحت أنظاره وبمباركته، قرار بيع أملاك الدولة في أسوأ الأوقات وبأبخس الأثمان، فضلاً عن أزمة الدولار.
“الرئيس القوي” لا يخشى الكلمة الحرة ولا يستدعي رؤساء تحرير الصحف إلى المحاكم (“نداء الوطن هي النموذج”) أو يوقف الناشطين على وسائل التواصل الإجتماعي.
“الرئيس القوي” يكون قوياً بالقضاء المستقل ولا يسعى وزراؤه للتدخل في القضاء لإلباس أطراف معينة اتهامات قضائية تلبية لحسابات سياسية، ولا يسمح لقاضية أو قاضٍ أن يعترف أمام الناس أن “ثمة ملفات عندي في الجارور” بمعنى أن تحريكها يتم عبر الطلب!
“الرئيس القوي” يحترم الدستور الذي أقسم يمينه في جلسة إنتخابه ويلتزم “إتفاق الطائف” (رغم أنه خاض الحروب ضده ثم انتخب على أساسه من دون تفسير أو تبرير)، ولا يسمح لنوابه أن يقولوا “نعدله بالممارسة” ما يعني عملياً تجاوز الدستور والمؤسسات وموازين القوى.
“الرئيس القوي” لا يسمح بتدهور علاقات لبنان الخارجية في عهده ولا يقبل بخروج لبنان من محيطه العربي، الذي تحدث باسمه الرئيس الراحل سليمان فرنجية في السبعينات أمام الهيئة العامة للأمم المتحدة، بينما إقتصرت لقاءات رئيس الجمهورية في نيويورك على لقاء يتيم (على الواقف) مع الرئيس الإيراني حسن روحاني! (ناهيك عن تكاليف الرحلة برفقة وفد فضفاض ضم المئات في ظل أصعب أزمة إقتصادية ومالية يشهدها لبنان في تاريخه!).
خلاصة الأمر، “الرئيس القوي” يكون قوياً بجمع اللبنانيين، بكف يد من يتحدث باسمه وينفق من رصيده، بحماية التوازنات اللبنانية الدقيقة، بالدفع نحو الدولة المدنية بدل تكريس اللغة الطائفية ونبش القبور والأحقاد.
تحياتنا إلى “الرئيس القوي” ونضم صوتنا إلى صوت الأب سليم دكاش الذي قال: “الدولة القوية أهم من الرئيس القوي”!