IMLebanon

«ييي عن جدّ اليوم عيد الأب؟!»

لطالما قيل إنّ «الدنيا أم»، فهذا أحد الشعارات العائلية الأساسية في مجتمعنا، ويُترجم على الأرض بوضوح يوم عيد الأب. «ييي عن جدّ اليوم عيد الأب؟» جملة تتردّد بقوة بين صفوف الأبناء في 21 حزيران. وكم من «ناسي» احتفل بعيد أبيه في اليوم التالي لعدم تذكّره العيد في اليوم نفسه. ولم يكن مرور السنوات المتتالية على هذا العيد كافياً لترسيخ هذا التاريخ في ذاكرة المجتمع.

في لبنان حيث مازالت النظرة إلى دور الأب تقليدية، يمرّ عيده في 21 حزيران مرور الكرام. ولا مجال لمقارنته بعيد الأم ذات الرهجة الضخمة تقديراً لدورها الفعّال في عائلتها وعطاءاتها اللامتناهية.

ففي عيد «ستّ الحبايب» تقدّم المحال التجارية العروض وتتزيّن الطرقات والشاشات بالإعلانات المذكِّرة بالعيد، فيما تتهيّأ المحال التجارية وأبرزها محال الأزهار والحلويات للطلب الكثيف على منتجاتها من قبل المحتفلين.

أمّا في عيد شريكها فيهمل المجتمع بشكل عام الاحتفاء، وتنسى الأكثرية الساحقة من الأبناء «تعييد» الوالد، كما لا يكترث الكثير من الآباء لعيدهم أساساً. وهذا لأنّ أحداً لا يولي دور الأب في البيت أهمية رئيسة.

صور نمطية

لهذا السلوك الإجتماعي مدلولاتٌ كثيرة، أبرزها أنّ مسؤولية التربية والمنزل تقع على عاتق الأم، فهي التي تربّي وتضحّي بحياتها ووقتها. ويتمّ دائماً الترويج لصور نمطية في المجتمع تصوّر الأب بشكل سلبي، وتظهره كسولاً، غير فعّال، غائباً، ومعنِّفاً، وفي أفضل الحالات يقتصر دوره على جلب المال لتأمين حاجات الأولاد…

تطوّر دور الأم

ولا يخفى على أحد أن جزءاً من هذه الصورة واقعٌ بالفعل، وقد ارتدى العديد من الآباء مظهر اللامبالي بشؤون المنزل والعائلة أو حتى المعنِّف والقاسي. فلطالما أثبتت الأم أنها منبع الحنان والاهتمام والعاطفة علماً أنّها تجلب المال إلى المنزل أيضاً، وتفي بعض حاجاتها وحاجات أبنائها المادية فيما تقوم أمهات أخريات بمعظم المصاريف المنزلية في بعض العائلات.

وفي هذا السياق تؤكّد منسّقة المشاريع في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية شانتال بو عقل لـ»الجمهورية» أنّ «المرأة حالياً تتحمّل «عبئاً إضافياً»، فتاريخياً لم تكن تعمل خارج المنزل إنما كان يقتصر دورها على تربية الأبناء والاعتناء بحاجات منزلها وأسرتها.

أمّا اليوم فتعمل خارج المنزل وداخله». وتوضح: «تقسيم الأدوار بينها وبين الرجل حصل فعلاً في سوق العمل حيث تؤدّي دوراً رئيساً، فيما لم يتمّ تقسيم الأدوار هذه داخل البيت، وبقي دور الوالد انتاجياً فقط في العدد الأكبر من العائلات».

وللأب دور

أوصلت هذه الصور النمطية التقليدية المتجذّرة في عقليّتنا ومجتمعنا إلى الاستنتاج بأنّ الطفل وفي حال خسر والدته فسيخسر الحبّ والاهتمام والرعاية، بينما إذا فقد والده وجود الأم يعوّض هذه الخسارة…

لا بدّ من الإشارة إلى أنّ آباء كُثراً في عالمنا المعاصر يحاولون كسر هذه الصور البالية للوالد، فيدأبون على لعب دورٍ فعّالٍ في منازلهم مشاركين في تربية الأبناء عن كثب وإفادتهم من خبراتهم، إلّا أنّ هذه المبادرات لازالت خجولة وفرديّة.

فالمطلوب أن تثور وسائل الإعلام والجمعيات وفعاليات المجتمع المدني لتلعب دوراً توعوياً لا بدّ أن يساهم تدريجاً في تغيير هذا الواقع. فإخراج الأب من دائرة صورة دافع القسط المدرسي إلى مشارك في الأعمال المنزلية ومربٍّ يتابع عن كثب تطوّر أولاده العلمي ويساعدهم في فروضهم وحياتهم، يتطلّب خططاً اجتماعية مدروسة. فقد حان الوقت ليكون للوالد دور فعّال في التربية مثله مثل الأم، لنعي فعلاً أنّ الدنيا أمّ وأب.

ولا يجوز في الألفية الثالثة أن تستغيث المرأة من التعب وتتوجّه إلى زوجها وكأنّها تطلب منه خدمة وهي مساعدتها في التربية والأعمال المنزلية، بينما يدير لها أذنه الصمّاء ويتركها لمصيرها تتخبّط في تربية الأبناء بعد يومٍ شاقٍ في العمل، وذلك ليشاهد التلفزيون أو يخرج مع الأصدقاء أو إلى النادي بعد عمله. وكأنه لم يكن شريكاً أساسياً في عملية جلب هؤلاء الأطفال إلى الدنيا، علماً أنها لم تأتِ بهم «من عند بيت بيّا».

«ما جابت الولاد من بيت بيّا»

في عدد من الدول الأوروبية وبينها فرنسا على سبيل المثال تمّ إرساء خطط اجتماعية لتطوير دور الوالد في البيت، حيث اعتُمد منذ سنوات إظهار الوالد بدل الوالدة إلى جانب الطفل في إعلانات المنتجات الخاصة بالأطفال، ما يروّج إجتماعياً لفكرة مفادها أنه بدوره مسؤول في التربية مثل الأم. وقد عملت فرنسا أيضاً على منح الوالد عطلة الأبوّة ومدتها 11 يوماً متواصلة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ في لبنان تمتدّ إجازة الأمومة إلى 70 يوماً أي 10 أسابيع وهي غير كافية إذ تنصّ معايير منظمة العمل الدولية على منح المرأة إجازة أمومة مدفوعة لا تقلّ عن 14 أسبوعاً، فيما دور الأب غير معترف به أصلاً منذ ولادة الطفل إذ إنّ إجازة الأبوّة في لبنان غير موجودة!

وتشير شانتال بو عقل إلى أنّ الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية تدرس حالياً «صياغة مشروع قانون يسمح بإجازة الأبوّة، فيما مازال النقاش يدور حول مدّتها». وترى أنّ «تغيير صورة الدور التقليدي للمرأة يبدأ منذ ولادة الطفل، حيث للرجل دور أيضاً حين يبصر طفله النور».

ولكنها تتحدّث عن الصعوبات والعراقيل، فتلفت إلى أنّ «عطلة الأبوّة مقبولة اجتماعياً في لبنان، ولكنّ المشكلة اقتصادية، فمجلس النواب لم يمدّد عطلة الأمومة إلى 14 أسبوعاً مدفوعة للأم متحجّجاً بالوضع الاقتصادي السيّئ وقد تقف حجّة الوضع الاقتصادي في وجه عطلة الأبوّة فيتمّ حجب الحقوق القانونية المستحقة عن أصحابها».