IMLebanon

نحو الجمهورية الثالثة

ليس عيبا ولا جريمة، المناداة بالجمهورية اللبنانية الثالثة. ذلك أن الجمهورية الثانية التي قامت على اتفاق الطائف، باتت في طريق مسدود بعدما استُهلكت في طريق كان أبعد ما يكون عن الوصول الى وطن نظيف يرثه الأبناء والأحفاد والأجيال المقبلة.

يُسجل لاتفاق الطائف أنه أوقف الحرب الأهلية، وفتح الأفق أمام نظام يبني وطنا يقوم على المواطنة وإلغاء الطائفية السياسية. وقد كُرست المادة الخامسة والتسعون من دستور الطائف لهذه الغاية، لكن هذه المادة ظلت في غياهب النسيان، ولم يُسمح بالاقتراب من هذه المادة التي عوّل عليها اللبنانيون لبناء وطن.

خلال ربع قرن من الزمن شهدت الجمهورية الثانية أعتى صنوف الممارسات باسم الطائف وتحت لوائه. تربعت على عرش السلطة تحت شعار المشاركة قوى كان الغد بالنسبة اليها مثل الأمس. توزعت المواقف على ثلاثة توجهات متناقضة:

– فريق توقف فيه الزمن عند حدود المادة الخامسة والتسعين من الدستور، فآثر تعليق الطائف بعدما استمرأ السلطة عند هذه الحدود.

– وفريق آخر غرق في التحرير وأعباء المقاومة، مناديا بالسير الى الأمام بخجل، لأنه مسكون بهاجس الفتنة المذهبية.

– وفريق ثالث يحلم بالعودة الى الوراء لاستعادة الصلاحيات، هاجسه ازدياد حالة الغبن في أي خطوة الى الأمام.

في ظل هذه المعادلة كان ثمة من ينبّه دائما الى أن البلد ذاهب الى المجهول، وأنه لا بد من مجاراة التطور والانتقال الى جمهورية ثالثة، ولو من خلال الطائف، نحو نظام ينصف الجميع ويؤمّن الاستقرار وينقذ الاقتصاد الوطني من أزمة محققة. انهمك كل فريق خلال السنوات العشر الماضية ولا يزال، بإلقاء المسؤولية على الفريق الآخر، من دون أن يحسب حسابا للبلد الذي ينزلق من تحت أقدام الجميع.

منذ أسبوع دقت ساعة الحقيقة عندما نزل الناس الى الشارع بعدما ضاقوا ذرعا بسلطة فشلت في معالجة أبسط وأتفه الأزمات. سمع العالم كلاما يتسم بالكثير من العفوية، أطلقه المواطنون من خلف الوجع الذي بات رفيقهم الدائم، ومن وراء القهر والقلق على المصير. كهرباء، مياه، أقساط، بطالة، فقر وجوع، يأس وإحباط، هجرة قسرية لخيرة الشباب.. وأخيرا لا آخرا أكوام النفايات في الشوارع حتى «طلعت الريحة».

أخيرا عرف اللبنانيون أن لعن الظلام من منازلهم لم يعد كافيا، وأنه لا بد من الشارع لإضاءة شمعة في وجه هذا الظلام. كانت الرسالة مدويّة. واليوم وغدا وبعد غد سوف تتدحرج كرة الثلج أكثر فأكثر. ولكن..

لا تأخذن العزة أحدا بأن الجمهورية الثالثة على الأبواب. نعم النظام السياسي الذي لا يزال متينا راح يهتز. وقد بدأت الخطوة الأولى. وربما تكون المسيرة ألف ميل، وربما تكون أقل بكثير. ولا ضير في أن تقوم الجمهورية الثالثة من رحم المزابل. المهم أن تكون جمهورية نظيفة.