IMLebanon

نحو شرق أوسط أميركي ـ روسي

أما ولم يتبق من عمر الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض سوى سنة واحدة٬ بات التساؤل واجًبا عما حَّل بالمنّظرين الذين كانوا يتوقعون – وبعضهم يجزمون – بأنه سيضرب بسيفه في السنة الأخيرة من ولايته الرئاسية الثانية و«يجبر» إسرائيل على وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة والبدء بتنفيذ «حل الدولتين».

تأكيد رئيس الحكومة الإسرائيلية٬ بنيامين نتنياهو٬ بعد لقائه في واشنطن مع الرئيس أوباما٬ أنه لا مجال لتوقع أي تغيير في الأمر الواقع الفلسطيني – الإسرائيلي على مدى العقدين المقبلين» مؤشر كاٍف على أن الرئيس أوباما٬ خلاًفا لما كان يتوقعه المتفائلون بموقف أميركي منصف للفلسطينيين٬ دخل السنة الأخيرة من ولايته الثانية مرتاًحا من تعقيدات القضية الفلسطينية و«دلال» الحليف الإسرائيلي.

هل يلام أوباما على هذا التحول في أولوياته الشرق أوسطية بعد أن أضحت معظم دول الشرق الأوسط أنظمة فاشلة توفر بيئة ملائمة لترعرع الإرهاب على أرضها؟

في شرق أوسط يمر بأبشع أيامه منذ غزو المغول لدولة الخلافة العباسية عام ٬1258 وفي دول تحولت – كما لبنان إبان حربه الأهلية الأخيرة ­ إلى ساحة لحروب الآخرين على أرضها٬ قد يصح تحميل الرئيس الأميركي جزًءا من مسؤولية تردي الأمن في دول المنطقة منذ «تردده» في تنفيذ تهديد عام 2012 لنظام الرئيس بشار الأسد وتراجعه عن التدخل في سوريا في ربع الساعة الأخير على موعده.

رغم أن الشرق الأوسط لا يزال المنطقة التي تضم عشرات القواعد العسكرية الأميركية والكثير من التسهيلات اللوجيستية٬ زعزع تراجع الرئيس أوباما عن تنفيذ تهديده لسوريا ثقة الدول العربية السابقة في وعوده إلى حد حمل الكثير من أصدقاء الولايات المتحدة على الإعراب عن تخوفهم من احتمال «انسحاب» الولايات المتحدة من المنطقة إذا اعتبر الرئيس أوباما أن مصلحة بلاده تقتضي ذلك. ومما يعزز هذا التخوف أن الأوضاع الراهنة لعالم اليوم٬ واستقواء الإرهاب «بدولته» الجديدة في سوريا والعراق٬ لا تشجع واشنطن على التورط بمغامرات عسكرية مباشرة في المنطقة.

والواقع أنه منذ انهيار المنظومة السوفياتية عام 1991 وغروب عصر الحرب الباردة٬ لم يعد دور الولايات المتحدة و«رسالتها» على ما كانا عليه من وضوح في السابق. وفي عالم متغّير سياسًيا واقتصادًيا وتكنولوجًيا٬ وبوتيرة غير مسبوقة في تاريخه٬ لم يعد السؤال ماذا يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لاستعادة ثقة أصدقائها بها.. بل ما هو متاح لها أن تفعله لإعادة المصداقية إلى زعامتها الدولية؟

انقضاء مرحلة الحرب الباردة عام ٬1991 وما أوحاه ذلك من انتصار الديمقراطية الغربية على أنظمة الحكم المركزية٬ قلّص الدور الخارجي للولايات المتحدة وحرك بالمقابل دور الأمم المتحدة كطرف دولي مسؤول عن السلام العالمي (وهو دور مارسته بنجاح في تسوية النزاعات السياسية – الأمنية الداخلية الطابع في رواندا وجورجيا وهايتي).

ولكن الظاهرة الواجب تسجيلها أن نهاية عصر الحرب الباردة حدثت والولايات المتحدة في أوج نفوذها الدولي٬ وترافقت مع تزايد حالات الحروب التقليدية٬ الأمر الذي أتاح للولايات المتحدة فرص التدخل العسكري المباشر في الخارج متحررة من احتمال مواجهة رد فعل سوفياتي عسكري.

في هذا الواقع الدولي الجديد تدخلت الولايات المتحدة٬ خلال ربع القرن الماضي٬ في تسع حروب بينها أطول حربين في تاريخها٬ وأكثرهما تكلفة: أفغانستان والعراق.

ولكن دخول روسيا «العهد البوتيني» أعاد بعث الرادع الروسي لحرية الولايات المتحدة المطلقة في التدخل في الخارج. وهذا الرادع الذي بدأ التلويح به في  جورجيا ثم شبه جزيرة القرم وأوكرانيا الشرقية٬ وصل الآن إلى الشرق الأوسط وحل قوة ضاربة في سوريا بعد أن كان الشرق الأوسط منطقة شبه مغلقة للنفوذ الأميركي.

والسؤال الذي يطرحه هذا التطور على خلفية الحرب الأميركية الجوية على «داعش» والتلويح الروسي بمحاربة «الإرهاب الدولي» هو: هل سيفضي موقف البلدين إلى تنسيق في جهودهما أم إلى تنافس على إثبات الوجود؟

تصريحات الرئيس أوباما المتحفظة في مؤتمر أنطاليا حيال استراتيجية الحرب على «داعش» توحي بأن الشرق الأوسط مرشح لأن يتحول في العقد الحالي من منطقة نفوذ أميركية إلى منطقة «تعايش» للنفوذين الروسي والأميركي.