IMLebanon

«زيارتا» الجبل وطرابلس على محك النتائج

 

 

طرابلس عاصمة لبنان الثانية، علّمت الجميع كيف تكون المواقف.

 

كل الزعامات والفعاليات الطرابلسية، أجمعت على مقاطعة الزيارة الإقتحامية التي أصر الوزير باسيل على القيام بها إلى عاصمة الشمال، بمن فيهم من هم يُحسبون مبدئيا على الجناح السياسي الذي ينتمي إليه الوزير باسيل. كل الزعماء وكل الفعاليات، بكل رصانة وبكل هدوء واتزان، وبالموقف المقاطع المعبر عن سلوكية حضارية وديموقراطية أصيلة، غادروا طرابلس، بعد أن تمنعوا جميعا عن استقبال معالي الوزير القادم إليهم مصحوبا بأفواج من رجال الأمن وعشرات من المسلحين الخصوصيين بثبابهم وأقنعتهم السوداء، وبالرغم من أن مقر معرض رشيد كرامي يمنع عادة التجمعات واللقاءات السياسية، ولكن يبدو أن معاليه قد اعتمد مبدأ: يحق «لفخامة» الوزير ما لا يحق لغيره. لم يقصر معاليه «بتوجيه التحية» لبعض أبناء طرابلس الذين تواجدوا بالقرب من المعرض للإعتراض على الزيارة بالتجمهر وإطلاق الشعارات بجمل هادئة نسبيا. وقد نوه معاليه إلى أنه ليس الجهة التي قتلت الرئيس الشهيد رشيد كرامي، وهنا بيت القصيد المقصود، الرامي إلى افتعال جرح جديد موجه على الطريقة الباسيلية إلى القوات اللبنانية دون أن يكون قصده من هذا التنويه الإشارة الإتهامية التي سبق للرئيس عمر كرامي أن اعتمدها وصرح بها في مؤتمر صحفي أثار في حينه كثيرا من ردود الفعل التي طواها الزمان في ضمن ما طواه، وهكذا يضع الوزير باسيل الرئيس سعد الحريري أمام واقع متأزم بات يواجهه مع كل زيارة وكل تصريح وكل موقف للوزير باسيل لينطبق عليه القول المأثور: كلما داويت جرحا سال جرح. من هنا وبالرغم من إشادة معاليه بدولة الرئيس الحريري وبمدينة طرابلس وأهلها الأبرار، إلاّ أنه أحجم عن ذكر دوره في عرقلة كثير من مشاريعها الإنمائية الملحة وتجاهله لأوضاعها الإجتماعية الصعبة التي لم تلق منه الرعاية المتحمسة لمشاريع أخرى في مناطق أخرى كما هو حاله مع منطقة البترون وسواها من بعض الأماكن الكائنة في منطقة الشمال. وإذ نحاول بكل ما أمكننا أن نكتفي بالإشارة الرمزية إلى الأمور المنوه عنها أعلاه، إستنادا إلى حاجة البلاد الملحة إلى التحلّي بمنطق الحكمة والتهدئة والموعظة الحسنة، حتى لا نكون في موقع من يسهم في إذكاء لهب الأحداث المتتالية والخطيرة التي يمر بها هذا الوطن المنكوب في مثل هذه الأيام السوداء، فإننا في الوقت نفسه، نؤكد على وجوب مجابهة المواقف النارية التي يطلقها الوزير باسيل في وجه الجميع بحيث لا يترك له صديقا ولا مؤيدا في مجمل المكونات اللبنانية، ويستغرب اللبنانيون هذا الحجم من الخصومات التي نجح معاليه في استقطابها نحوه وفي مواجهة طموحاته الجامحة نحو المواقع والمناصب العليا في هذه الدولة العلية، فبالإضافة إلى رشق الطائفة السنية بجملة من الصواريخ المستعرة، وإلى أحداث الجبل الأخيرة التي كادت أن تُدخل البلاد كلها في جملة من المصائب التي خرجنا من أتونها منذ مدة ليست بالبعيدة، وقد كللتها ولطفتها وأزالتها مصالحة الجبل المباركة بجهد ورعاية غبطة البطريرك الراحل صفير، والوزير وليد جنبلاط، مع مواكبة متعاونة لحزب القوات اللبنانية التي كانت جزءا أساسيا من حرب الجبل ومن المصالحة الهامة التي أفلح أهل الخير والقلوب الييضاء في إرساء أسسها الوطنية الخيرة، وبالتالي فإن موقف التيار الوطني الحر المتحايل على الطعن بهذه المصالحة، وتصريح أحد وزرائه بأن أهل الجبل لا يأمنون على أنفسهم من النوم ليلة واحدة في مناطقهم، وكل محاولات قيادات التيار الوطني الحر للطعن بهذه المصالحة لا لشيء إلا لأنه لم يكن لتيارهم الدور الأول والباهر والأساسي فيها.

 

وبعد اتفاق معراب، الذي وضع أسسا للمصالحة المسيحية – المسيحية ما بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وأسهم في إحداث المصالحة التي مكنت العماد عون من تبوؤ مركز الرئاسة بعد عملية المنع القسري لمدة عام ونصف من إجراء تلك الإنتخابات، ها هو الوزير باسيل «بدبلوماسيته» الرفيعة وأسلوبه «اللطيف» يطلق رصاصة الرحمة على اتفاق معراب وعلى تلك المصالحة والتوافقات التي رافقتها والتي تجاهلها الوزير باسيل، بل عمد ما أمكنه إلى تجاوزها والتهرب من دفع ثمن المصالحة من توازناتها ومعادلاتها التي لم تتمكن من أن تبصر النور والتجسد على صعيد الواقع. لقد شهدت طرابلس تلك «الحركشة» المؤسفة في ما تعلق بعملية اغتيال الشهيد رشيد كرامي، وكما تجاهل الوزير باسيل الأدوار المؤسفة التي لُعبت بها ومن خلالها، ها هو يتنصل من أقواله وكلماته عقب كل زلة لسان من قبله، سواء كانت مقصودة، أم غير مقصودة فالحال بينهما سواء بسواء، طالما أن معالي وزير الخارجية تفوق في خطاباته وكفاءاته الإستفزازية التي دفع الوطن حتى الآن، كثيرا من أثمانها والتي يأمل المواطنون وضع حد لها درءا لمزيد من الأضرار والمخاطر.

 

يا معالي الوزير: نقدر الكثير من مزاياك وإيجابياتك، ولكن دعنا من الإنتخابيات ومستلزماتها ومن المبالغة في اعتمادها، ولنترك جميعا هذا الوطن ليتمكن من متابعة خطاه نحو الإنقاذ والخلاص.