IMLebanon

سيناريوهات عدة لـ«غضب طرابلس» المفتوح على الفوضى الشاملة وضرب مؤسساتها!

 

وضع الشارع في وجه الجيش لعبة محفوفة بالمخاطر وغير مضمونة النتائج

 

قد يكون من المبكر الجزم بما سيرسو عليه المشهد في طرابلس وانعكاساته على الوضع اللبناني برمته، وما إذا كان سيُشكّل الشرارة لعودة التحرّكات الاعتراضية على الأرض في مناطق أخرى في نسخة ثانية لـ»ثورة 17 تشرين» 2019، أو نسخة أشدّ عنفاً وتفلتاً، ولا سيما مع انسداد أفق الحلول في ظل تنامي الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي فاقمت منها جائحة كورونا وأداء السلطة العاجز، وفي ظل المأزق السياسي الذي تعيشه البلاد.

 

في الواقع، لم يكن مفاجئاً أن تنفجرَ الأمور في طرابلس، المدينة الأكثر فقراً على المتوسط، والأكثر تهميشاً ومعاناة لعقود من الزمن لأسباب متعددة. في نظر المراقبين أنها أرض خصبة، يمكن استخدامها وتحريكها لأجندات عدّة مغلّفة بثوب الانتفاض على الجوع والفقر والظلم والتهميش. حتى إذا كان ذلك صحيحاً، فإن الأسئلة التي لا بدّ من التوقف عندها هي: هل ثمة سلطة سياسية قادرة على لملمة التداعيات إذا خرجت الأمور عن السيطرة؟ وماذا لو تمددت الحالة الاعتراضية إلى مناطق جغرافية أخرى؟ وماذا إذا عمّت حالة الشغب والفوضى، وأضحت القوى الأمنية في مواجهة الشارع؟ وهل يمكن الركون عندها إلى «نظريات المؤامرة» لتبرير سقوط الدماء وعمليات القمع؟

 

المشهد يُنذرُ بأنه مفتوح على مزيدٍ من الصدام والعنف في وجه كل ما يرمز إلى الدولة ومؤسساتها، ومفتوح على الفوضى المجتمعية، وعلى ارتفاع وتيرة استخدام الأدوات الأمنية. فالعنف لن يجلب سوى عنفٍ مقابلٍ في واقع مهترئ سياسياً واقتصادياً ومعيشياً، وسط أزمة حكم مستفحلة، وبلد تحوّل رهينة في يد «حزب الله» كجزء من المشروع الإيراني، وفي لحظة يشتدُّ فيها وضع المنطقة ضبابية مع إدارة أميركية جديدة.

 

لا سلطة سياسية قادرة على لملمة التداعيات إذا خرجت الأمور عن السيطرة

 

حتى الساعة، الاتجاه السائد أن طرابلس تحوّلت إلى «صندوق بريد سنّي» بشكل صاف، يُرسل الرسائل ويتلقاها. هذا الاعتقاد يتمّ إسقاطه على الاشتباك الجاري بين الفريق العوني ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. ولكن بين سيناريو يعتبرُ أن ما يجري في عاصمة الشمال هو للضغط على الحريري للقبول بشروط رئيس الجمهورية لجهة منحه الثلث المعطل والحقائب والأسماء التي يُريد، وبين سيناريو آخر يعتبر أن الحريري يضغط من خلال تحريك الجغرافيا السنّية على رئيس الجمهورية للسير بالحكومة وفق منظور الحريري المتكئ على المبادرة الفرنسية، فإن ثمّة مَن يتحدث عن سيناريو ثالث.

 

فالهجوم على سرايا طرابلس بالتحديد، واستهداف فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، تعتريه تساؤلات لا تزال من دون إجابات عمن يُحرّك الأرض في اتجاه التصادم المتعمّد مع المؤسسات الأمنية، والذي يمكن أن يؤدّي في نهاية المطاف إلى التصادم مع الجيش اللبناني تحديداً المعني بقرار سياسي بحماية المدينة. يذهب «السيناريو الثالث» إلى أن ما يجري قد يكون الهدف منه استهداف مباشر لقائد الجيش جوزاف عون، الذي يتمّ التعامل معه على أنه مرشح محتمل لرئاسة الجمهورية من موقع رئاسته لمؤسسة عسكرية لا تزال تحظى باحترام اللبنانيين، وتُشكّل نموذجاً وطنياً جامعاً، وكذلك استهداف للمؤسسة العسكرية التي لا يزال المجتمع الدولي، ولا سيما الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، يوفّر لها دعماً معنوياً ولوجستياً وعسكرياً. والمخاوف من هكذا «سيناريو» هو ما يدفع قيادة الجيش إلى التنبّه من إسقاطها في فخ المواجهة المحتومة مع الشَّارع، ولا سيما الشارع السنيّ، وإلى احتساب خطواتها جيداً حتى لا تجد نفسها وجهاً لوجه في صدام مع الناس.

 

القائلون بهذا «السيناريو» يرون أن الحسابات السياسية لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في إعادة تأهيل فرصه لرئاسة الجمهورية تتطلب حرق أوراق جوزاف عون، المرشح الرئاسي المحتمل الأكثر ثقة لدى الغرب والأميركيين وحلفائهم، والفرصة متوافرة بحرقه في البيئة السنّية، وفي طرابلس بالذات، كونها أرضية جاهزة لتحريكها.

 

ويذهب هؤلاء في قراءتهم، إلى أن مصلحة قيادة الجيش ودوره تتقاطع، في جانب منها، مع مصلحة «حزب الله»، الذي يضع مؤسسة الجيش في خانة الأميركيين ورهانهم عليها لبسط الشرعية سيطرتها على الدولة دون غيرها من الميلشيات غير الشرعية، ولا يضيره أن تضعفَ هذه المؤسسة إذا لم تكن له اليد الطولى عليها، وعلى قياداتها وقراراتها راهناً ومستقبلاً. وبالتالي، يمكن عبر ذلك ضرب عصافير عدة بحجر واحد: الضغط على الحريري من خلال نشر الفوضى في الجغرافيا السنية للدفع للتسليم بشروط الآخرين، وحرق أوراق قائد الجيش، وإضعاف المؤسسة العسكرية.

 

قد تتقاطع الأهداف لدى أكثر من لاعب وجهة، وهناك من يذهب إلى الحديث عن مخططات خارجية لسقوط المدينة مجدداً في يد التطرّف وتحريك للتنظيمات المتشددة، مع الحديث عن عودة «داعش» إلى الخدمة. ولكن أياً كانت «السيناريوهات» المطروحة أو المتخيّلة، فإن ثمّة حقائق بأن لعبة تحريك الأرض بأجندات سياسية هي لعبة محفوفة المخاطر وغير مأمونة النتائج، باعتبار أن الحريق سيطال المناطق السنّية دون غيرها، في وقت يفرضُ «حزب الله» سيطرته على المناطق الشيعية وستكون بيئته الحاضنة بمنأى عن تداعيات ما قد يحصل من شغب وفوضى اجتماعية واقتتال، ويسود اعتقاد لدى القوى المسيحية بأن مناطقها قد تبقى بمنأى عن هذا الحريق، فيما المناطق الدرزية تسير بين النقاط لتقطيع ما تراه زمناً صعباً يحمل في طياته مخاطر وجودية.

 

فإزاء ذهاب البلاد المتوقع إلى مزيد من الإفلاس المالي والاقتصادي وتداعيات كورونا والتخبّط السياسي، وتحوّل البلاد بمجملها إلى ساحة من ساحات الصراع الإقليمي وصندوق بريد له في ظل السيطرة الإيرانية على القرار الاستراتيجي اللبناني بانتظار تبلور صورة التفاوض الأميركي – الإيراني، التي لن تكون قريبة، فإن قدر اللبنانيين أن يعيشوا فصلاً جديداً من فصول المأساة المتمادية.