IMLebanon

من يريد توظيف حريق طرابلس لإشعال سيجارة؟

 

ماذا يجري في طرابلس منذ ايام، وهل تنبعث رسائل سياسية من دخان الإطارات المشتعلة وقتابل المولوتوف، أم انّ التحرك تلقائي ولا شيفرات مبطّنة تتحكّم به؟

ليست هناك بعد قراءة سياسية واضحة وحاسمة يمكنها ان تقدّم رواية متكاملة لما يحدث على أرض طرابلس، إذ انّ مجرى التطورات يتحمّل التأويل والتفسير في أكثر من منحى، تبعاً لزاوية الرؤية ولطبيعة التموضع السياسي.

 

الأكيد انّ مشاعر الغضب واليأس، خصوصاً في اوساط الشباب، انفجرت على نطاق واسع، نتيجة تفاقم الفقر والبطالة وغياب اي حلول قريبة او حتى مسكّنات ظرفية. اما مسألة الاعتراض على الإقفال الشامل، فلم تكن سوى الشرارة التي أشعلت برميل البارود الممتلئ اساساً.

 

لكن الأمر الثابت الآخر، في رأي البعض، هو انّ هناك من دخل مرة أخرى على خط الاحتجاجات، للاستثمار السياسي في هذا الاتجاه او ذاك، تماماً كما حصل مع انتفاضة 17 تشرين، التي انطلقت بعفوية قبل ان يتمّ لاحقاً استغلالها لخدمة أجندات سياسية، ويبدأ «التعليق» على اسلاكها من هنا وهناك.

 

ولعلّه من المفيد الإشارة، الى انّ نسبة التسرّب المدرسي في طرابلس، وفق إحدى الدراسات، هي نحو 30 بالمئة، تحت تأثير الحرمان الذي يمنع عائلات كثيرة من إعطاء الاولوية لحق التعلّم، ما أفرز شريحة واسعة من الشبان الصغار الذين وجدوا أنفسهم في الشارع بلا عمل، والأخطر بلا غد، وسط إقفال كل الأبواب والنوافذ أمامهم، بحيث لم يعد لديهم ما يخسرونه، وهؤلاء لا تنفع معهم الوسائل التقليدية في الاحتواء والتواصل، وبالتالي صارت معادلتهم هي الآتية: «علينا وعلى أعدائنا يا رب».

 

واللافت، انّ المواجهة المتدحرجة تنجرف احياناً نحو الطابع العسكري، مع اعلان قوى الأمن الداخلي عن استعمال قنابل يدوية حربية ضدّ عناصرها وإطلاق عيارات نارية مجهولة المصدر، كذلك لم تعد الصدامات تقتصر على المتظاهرين وقوى الأمن، بل انخرط فيها أيضاً الجيش، الذي يُخشى من استنزافه في الزواريب، مع ما يمكن أن يرتبه ذلك من تداعيات على دوره وصورته.

 

وخلافاً لمحاولات الفرز بين متضرر ومستفيد، يعتبر البعض انّ الوقائع تُبين انّ لا أحد محيّد عن العاصفة، بل هي أصابت جميع الكبار في عاصمة الشمال ولو بنسب متفاوتة، «من دون أن ينفي ذلك، أنّ كل طرف على الساحة الطرابلسية يحاول ان يخفف خسائره وان يستخدم نفوذه ومجموعاته، لتوجيه عصف الغضب الشعبي صوب خصمه»، علماً انّ تقديرات الأجهزة الأمنية تفيد بوحود «محرٌك» ما لجانب من أعمال العنف، ولكن ليست لديها حتى الآن ادلة قاطعة على هويته السياسية.

 

والأرجح، تبعاً لانطباعات احد العارفين بخفايا واقع طرابلس، انّ المشهد الحالي بات أقرب إلى بازل سياسي – ميداني، مكوّن من أجزاء عدة ومتداخلة، متوقعاً ان لا يكون طرف واحد هو المسؤول عن استثمار الغضب في عاصمة الشمال لحسابات سياسية، «بل هناك على الأغلب تبادل للرسائل في اتجاهات عدة».

 

في المقابل، يلفت مصدر شمالي مطلع، الى انّه لا يوجد بعد سيناريو متماسك للأبعاد السياسية الكامنة وراء التصعيد في طرابلس، معتبراً انّ كل فرضية مطروحة تنطوي في جانب منها على نقاط ضعف، كما يتبين، في رأيه، من العرض الآتي:

 

– الإفتراض بأنّ الرئيس سعد الحريري حصراً هو الذي يستعمل الشارع لحسابات سياسية وحكومية، لا يبدو احتمالاً صلباً، عقب استهداف مسؤول «شعبة المعلومات» في طرابلس القريب من تيار «المستقبل»، وبعد التظاهر امام منزل النائب في كتلة «المستقبل» سمير الجسر، إضافة إلى أنّ لا مصلحة للرئيس المكلّف في نشر الفوضى داخل ساحته، لأنّه بذلك يضغط على نفسه وليس على رئيس الجمهورية ميشال عون.

 

– الترجيح بأنّ بهاء الحريري هو الذي المحرّض الأساسي على أحداث طرابلس في إطار نزاع الأخوة والتفتيش عن دور سياسي، يقابله رأي آخر من داخل المدينة، يلفت الى انّه من المبالغة التصور بأنّ بهاء اصبح قوياً الى هذه الدرجة، وبات قادراً على قيادة تحرّك بهذا الحجم في عاصمة الشمال المدججة بشخصيات وقوى، لن تسهّل مهمة اي وافد سياسي اليها.

 

– الظن بأنّ ما يجري في طرابلس يحمل بشكل او بآخر بصمات العهد للضغط على سعد الحريري في بيئته، يسقط فوراً تحت وطأة هتافات المحتجين المندّدة برئيس الجمهورية ورئيس «التيار الوطني الحر».

 

– اما توجيه الإتهام الى خصوم الحريري في طرابلس، فلا يستقيم، مع كون المحتجين يتظاهرون بشكل شبه يومي أمام منزل عضو «اللقاء التشاوري» النائب فيصل كرامي على سبيل المثال.

 

وضمن سياق متصل، تشدّد شخصية طرابلسية، على انّه لا يجب الاختباء خلف نظرية «التوظيف السياسي»، لتجاهل البعد الاقتصادي والاجتماعي في احتجاجات اليائسين من سكان طرابلس، «علماً انّ اي استغلال هو نتيجة لا السبب»، موضحة انّها كانت تتوقع منذ مدة حصول الإنفجار الشعبي الذي كان مسألة وقت ليس إلاّ، «ومن يظن انّ الأمور يمكن أن تنتهي عند هذا الحدّ لا يعرف الأرض ومستوى الغليان في باطنها وفوقها».

 

وتلفت تلك الشخصية، الى انّ التراجع عن الإقفال التام ليس الحل، «لأنّ السؤال الملح هو: ماذا عن اليوم التالي، وكيف سيتمكن فقراء طرابلس من الصمود في مواجهة الأزمة الحادة؟».

 

غالب الظن، انّ ما يجري في طرابلس اشبه بخلطة من كل شيء: جوع وفقر واحباط واحتقان وإهمال رسمي لا يعرف حدوداً، وانتهازية سياسية لا تتورع عن تأجيج النار لإشعال سيجارة!