IMLebanon

طرابلس انتصرت لكبريائها ووأدت الفتنة!

 

طرابلس انتصرت لكبريائها، وارتفعت فوق مستوى الإساءات والأحقاد، وبقيت أبوابها مفتوحة أمام الوزير باسيل، من دون أن تشارك في استقباله.

 

وربح أهالي الفيحاء معركة الكرامة التي خاضوها، بكثير من الإباء والشهامة، في امتناعهم عن الترحيب بباسيل، من دون القيام بأي تصرّف يُسيء لسمعة مدينتهم، وأجواء الإلفة والتسامح التي يحرصون عليها.

 

وخلافاً للانطباع الذي حاول البعض الترويج له، لم تقتصر مقاطعة الزيارة على الفاعليات والعائلات الإسلامية فقط ، بل كانت ثمة مشاركة مسيحية واسعة في هذه الخطوة، انطلاقاً من التضامن المستدام بين أبناء المدينة، على اختلاف طوائفهم، وعلى اعتبار أن المسألة تتجاوز الحساسيات الطائفية التي يحاول البعض العزف عليها، في إطار الخطاب التحريضي المكشوف، سعياً وراء زعامة كرتونية!

 

ويمكن القول، على ضوء الاعتبارات السابقة، أن زيارة باسيل إلى طرابلس اتخذت طابع «فشّة خلق»، ليس أكثر، لأنه لم يتمكن من لقاء أي طرف من نواب وقيادات المدينة، حتى أقرب الحلفاء، فيما توافقت المرجعيات الروحية الإسلامية والمسيحية على الابتعاد عن مشهد الزيارة، التي أثارت الكثير من الجدل في البداية، ثم حفلت بكثير من التحديات في الأيام الأخيرة، بعدما رفض الزائر الاستماع إلى نصائح الأصدقاء والحلفاء، وتأجيل الزيارة إلى موعد لاحق، تكون خلاله بردت ذيول حادثة قبرشمون، وهدأت ردّة الفعل السلبية في الفيحاء!

 

محدودية الحضور الذي شارك في لقاء معرض الشهيد رشيد كرامي لم تكن مفاجئة لأحد، لأن حضور «التيار الوطني» في طرابلس يكاد يكون شبه معدوم، وثمة محاولات ما زالت في المهد، تركز على منطقة الميناء، ذات الأكثرية المسيحية، مما يشكل إدانة لخطاب باسيل الذي يعتبر تياره الثالث سنيّاً، والثالث شيعياً، وعدد المنتسبين المسلمين يُعدّ بالآلاف.

 

وإذا كانت غلطة الشاطر تُعد بألف، فقد أهمل باسيل مشاكل المدينة المزمنة، وغابت المشاريع التنموية عن خطابه، الذي ركّز فيه، وكالعادة، على نبش قبور الحرب، حيث حاول إعادة تذكير الطرابلسيين بجريمة اغتيال الرئيس رشيد كرامي، للغمز من قناة «القوات اللبنانية»، الأمر الذي أثار ردود فعل سلبية في أوساط الفيحاء!

 

وكشفت العراضة الأمنية المرافقة لتحركات باسيل، هشاشة الوضع الشعبي الذي يتحرّك في دوائره، لأنه يلجأ إلى المئات من رجال الجيش والقوى الأمنية لتأمين الحماية له في جولاته في المناطق، الأمر الذي تحوّل إلى مادة لانتقاده من قبل معارضيه، الذين يركزون على الكلفة الباهظة التي تتكبّدها الخزينة المفلسة أسبوعياً، لتوفير التغطية الأمنية المُبالغ فيها لوزير الخارجية، الذي غالباً ما يصطحب معه وزير الدفاع في جولاته، لتبرير وجود هذا الكمّ من القوى الأمنية معه!

 

غير أن بعض مناصريه يعتبرون مرافقة القوى المسلحة معه من جيش وقوى أمنية، من باب التأكيد على المظاهر القوية «للتيار القوي»، والتي من شأنها أن تؤدي مفعولها في المناطق حيث يتعطش المواطنون لرؤية الدولة في قراهم!

 

ولكن مَن يقول أن الناس تريد حضور الدولة عبر العضلات الأمنية فقط ، وإهمال بقية الحاجات الإنمائية الضرورية، من ماء وكهرباء وتأمين تصريف الإنتاج الزراعي وتوفير فرص العمل للشباب؟!

 

من حق رئيس «التيار الوطني الحر» الاستمرار في جولاته على المناطق، طالما أن الدستور يكفل حرية التنقل لجميع اللبنانيين في مختلف المناطق، خاصة وأننا لا نريد العودة إلى التقوقع، كما قال الرئيس ميشال عون لزواره الأسبوع الماضي.

 

ولكن من حق اللبنانيين على صهر العهد، بالمقابل، أن يُراعي خصوصيات المناطق التي يزورها، ويحترم حق الاختلاف مع أهلها، الذين قد لا يؤيدون مواقفه السياسية، ويرفضون الخطاب الطائفي والتحريضي، الذي من المفترض أن يُعاقِب عليه القانون!

 

ويا ريت يسمح وقت الوزير باسيل بقراءة رسالة الرئيس إلى الشباب، ووصيته لهم باحترام قيم الاختلاف، والحرص على إدارته بشكل صحيح!

 

أما طرابلس فكانت دائماً أكبر من الأحقاد، ورافضة دائماً للفتنة!