IMLebanon

الترويكا

 

رغم كل التعقيدات التي تخيِّم على الجو السياسي العام، ورغم كل التباينات بين المسؤولين أنفسهم ما زال رئيس الجمهورية متفائل في تجاوز هذه المرحلة الصعبة والانتقال بالبلد من مرحلة اليأس إلى مرحلة النهوض العام في أجواء بعيدة عن التشجنات السياسية التي كادت ان تطيح بالعهد نفسه.

 

الرئيس عون وبعيداً عن ذلك الجو الذي ساد في الأسابيع الماضية يأمل بأن يبدأ لبنان في تشرين الأوّل تنفيذ سلسلة من الاجراءات الاقتصادية والمالية المتفق عليها في اجتماع بعبدا المالي متعهداً برعاية ذلك شخصياً بالتعاون مع الرئيسين نبيه برّي والحريري والقوى السياسية المشاركة في السلطة من أجل تأمين أكبر قدر من الانتاجية خاصة لجهة تنفيذ موازنة 2019 بوارداتها واصلاحاتها مما يؤدي إلى ارتفاع النمو وينعكس إيجاباً على الوضعين الاقتصادي والمالي.

 

ان أهمية تفاؤل رئيس الجمهورية بالمستقبل تكمن أولاً في عودة التعاون الذي كان شبه مفقود بين ترويكا الحكم التي أرساها اتفاق الطائف بناء على تجارب سابقة في الحكم اعطت نتائج إيجابية ومكنت لبنان من ان يتجاوز الكثير من المطبات والمشاكل السياسية والاقتصاية والمالية على أنواعها وتفرعاتها وتداعياتها الخطيرة على انتظام المؤسسات الدستورية التي تشكّل الضمانة الأساسية للاستقرار والنمو العام، لا سيما وانه لا يزال امام الدولة فرصة قد لا تتكرر للاستفادة من الدعم الدولي الذي عكسته زيارة الرئيس الحريري إلى واشنطن وقبله في المساعدات التي قدمها هذا المجتمع في مؤتمر سيدر لمساعدته على النهوض العام ومعه الاستقرارين السياسي والاقتصادي اللذين يشكلان وحدهما الضمانة الحقيقية لنهوض الدولة وتجاوز كل مشاكلها الداخلية التي تشكّل العقبة الأساسية.

 

ان الدعم الذي حصل عليه لبنان في مؤتمر سيدر يفرض على المسؤولين ان يتلفقوه بعيداً عن خلافاتهم الداخلية، ويعملوا بجد وكد حقيقيين لاستثماره بشكل جيد وسليم لاستعادة النمو المتوقف منذ عدّة سنوات نتيجة انعدام الرؤية عند المسؤولين أنفسهم ونتيجة استمرار التجاذبات فيما بينهم على أوسع نطاق مما أدى إلى هروب الرساميل الأجنبية من لبنان وإلى تفشي البطالة من جهة والركود في كل القطاعات الانتاجية من جهة ثانية.

 

الرئيس عون أوصى بالموقف الأخير الذي أعلنه من قصر بيت الدين، وقبل أيام قليلة، من موعد انعقاد مجلس الوزراء برئاسته بأن الطريق إلى نهوض لبنان من كبوته تكمن في استجابة لبنان إلى الشروط التي وضعتها الدول التي شاركت في مؤتمر سيدر كونها السبيل الوحيد امام الدولة اللبنانية لإنقاذ الاقتصاد الوطني وتحريك الدورة الاقتصادية وانعاش القطاعات الانتاجية، وللوصول إلى ذلك يحتاج الأمر إلى تعاون كل السلطات في ما بينها ولا سيما بين الرؤساء الثلاثة المعروفين بعد اتفاق الطائف بالترويكا، والذين أدى تعاونهم في العهود السابقة الى جعل لبنان يتجاوز الكثير من المطبات الداخلية والخارجية وينعم بالاستقرار الداخلي في الوقت الذي يشهد الإقليم تطورات دراماتيكية خطيرة.

 

إن الموقف الذي اتخذه رئيس الجمهورية يترك ارتياحاً عند اللبنانيين، ويعيد إليهم الأمل في ان يتجاوز لبنان كل الصعوبات الحالية ويحتل موقعه الذي يطمحون إليه على الخريطة الدولية ويعتبر اللبنانيون ان جلسة مجلس الوزراء يوم غد الخميس ستشكل المختبر لإرادة التعاون بين الرؤساء الثلاثة لمواجهة التحديات الجسام المقبلة واولها مع تقرير ستاندر أند بورز التصنيفي والذي من المرجح ان يضع لبنان في مرتبة الدول الفاشلة والتي لا يُمكن ولا يجوز الاستثمار فيها.

 

ان التقاط هذه الفرصة التي عبّر عنها رئيس الجمهورية مطلوبة من الرؤساء الثلاثة والمطلوب أيضاً استمرار التعاون والتنسيق بينهم، لأن البديل عن ذلك هو استمرار الانحدار نحو الهاوية وهم بطبيعة الحال لا يريدون ذلك، ويعبرون عن رفضهم له في مواقفهم اليومية لكبح جماح بعض الأصوات التي تسعى دائماً لتوتير المناخ العام وإبقاء البلد كلّه في مستنقع التجاذبات والاحترابات السياسية.