IMLebanon

لعلّ ترامب ليس مريضاً عقليّاً فلعلّه مجرّد وغد

 

 – نيويورك تايمز

بصفتي الرئيس السابق للجمعية الأميركية للأطباء النّفسيين أظنّ أنّ على كلّ زملائي، أطبّاء النّفس وأيّ عالم أو معالج نفسي، أن يتوقّفوا عن التكهّن علناً عن لياقة الرئيس دونالد ترامب الذهنيّة وعن محاولة تشخيص أمراض عقليّة محتملة بناءً على ملاحظاتهم النّظريّة.

الأمر ليس أنّه لا يجب تقييم لياقة ترامب الذهنيّة بل على العكس تماماً. يجب تقييم كلّ الرّؤساء الحاليّين، ومع ذلك لم تشمل غالبية الفحوصات الطبّية سوى تقييمات سريعة وغير دقيقة لصحّتهم النّفسيّة.

عندما خضع ترامب لفحصه الطبّي السّنوي يوم الجمعة، وهو أوّل فحص له منذ تعيينه، آمل أن تكون قد تضمّنت تقييماته الاختبارات المحدّدة التي يمكن أن تحدّد فوراً ما إذا كان يعاني من مرض عصبي نفسي من الممكن أن يعلّل تصرّفاته الغريبة ويضرّ بقدرته لأداء مهماته.

ولكن حتّى ولو أُجريت هذه الاختبارات، فنحن على الأرجح لن نعرفَ نتائجَها. وهذا أمر مؤسف لأنّ التكهّنات حول لياقة ترامب الذهنية تزداد كثيراً. ولم يصبح سلوك ترامب الغريب وحده شائعاً، بل أضف إلى ذلك هوسه بالتغريد وتصريحاته الصّادمة والمتناقضة أحياناً وحالات الارتباك التي يشعر بها (عندما لم يعرف رودي جولياني الذي كان جالساً قبالته في اجتماع البيت الأبيض مثلاً).

وعندنا الآن كتاب مايكل وولف “Fire and Fury” الذي يشكّ فيه طاقم الموظّفين الخاص بالرّئيس ترامب باستقراره وقدرته المعرفيّة. وردّاً على تعليقات الكتاب الأوّلية، غرّد الرئيس دفاعاً عن قدراته الذهنيّة وكتب أنّ “في الواقع، طوال حياتي، كان استقراري النّفسي وكوني ذكيّاً جدّاً أفضل ميزتين لي”.

ولكن، الحقيقة هي أنّ، ما لم تقيّم صحّة الرّئيس كما يجب، ليس لنا أيُّ دليل حقيقي كي نتأكّد ما إذا كان مصاباً بمرض ذهني. وحتّى لو وجدنا دليلاً، نفتقر إلى معيار دستوري واضح يحدّد أيَّ درجة اعتلال قد تجعله غيرَ مؤهّل للعمل.

وقد أثبت التّاريخ أنّ الرّؤساء السّابقين قد عانوا من حالات عوّقت وظائفهم الذهنية وهم لا يزالون في منصبهم، منهم رونالد ريغن، كالفن كوليدج ووودرو ويلسون. ونظراً في حالة ريغن: شُخّص لاحقاً بمرض الألزهايمر، ولكن على رغم أنّ الأعراض بدأت تظهر عليه خلال ولايته الثّانية، كما يعتقد البعض، فهذا لم يمنعه من إنهاء ولايته.

إنّ تجربة هؤلاء الرؤساء تقدّم أدلّة مقنعة بأنّه حتّى لو لم يكن هناك تسونامي من التكهّنات حول حالة ترامب النّفسيّة الآن، يجب على الكونغرس أن ينظر في إمكانية اعتماد سياسات لتوحيد وتوسيع، حسب الحاجة، نطاق الفحوصات الطبّية الرئاسية لكي تتضمّن تقييمات عصبيّة نفسية.

وكما سبق وكتبت، إنّ الاضطرابات العقلية كالذّهان والخرف والإكتئاب والإدمان تحدّث للناس الذين يدخلون ضمن فئة عمر الرئيس، وكلّ من تلك الاضطرابات، حين تكون خطيرة، قد تدمّر قدرة الرئيس على الاضطلاع بواجباته. إنّ التّعديل رقم 25 يوفّر الإجراءات المطلوبة لنقل السّلطة من الرّؤساء المعتبر أنّهم غير مؤهَّلين.

إلّا أنّنا لا نزال نفتقر إلى عملية محدَّدة لتطبيق التّعديل رقم 25 على رئيس لن يخضع بإرادته لفحص لتقييم قدرته الذّهنية. وكما نفتقر أيضاً إلى معايير واضحة لتحديد أيّ سلوك يستدعي تدخّل ونقل السّلطة إلى نائب الرّئيس.

تمّ الاعتماد على التعديل رقم 25 لمرّات قليلة منذ تصديقه سنة 1967. ولكن باستثناء فضيحة “ووترغيت”، فقد شملت غالبية هذه الأحداث إعطاء نائب الرّئيس السلطة الرئاسية بينما كان يخضع الرئيس لإجراءات طبّية تحت تأثّر التخدير العام.

نواجه مشكلة أخرى في المناقشة الحالية حول حالة ترامب النّفسية: تفترض أنّ سلوكه غير إرادي وأنّ تصرّفاته الصّادمة وغير اللائقة برئيس هي عوارض مرض نفسي. هذا التّفكير يساهم في وصم الأمراض النّفسية.

من الممكن جدّاً أن يتمتّع ببعض الصفات الشّخصية التي لا نعتبرها مثاليّة لقائد، ككونه نرجسياً متنمّراً يفتقر إلى التحضّر الاساسي والمجاملة العادية.وأنّه وبكلمة واحدة وغد. ولكن هذا وحده لن يجعله غير مؤهّل لأداء مهماته.

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنّه عندما ينخرط أطباء النّفس في التسمية الطبّية لحالة الرئيس النفسية من دون أيّ أدلّة ملائمة أو تقييم سليم، فهم يضرّون بمصداقية مجال المهنة بأكمله.

وكان للطب النفسي ماضٍ متقلّب: تواطؤه في سياسات تحسين النسل النازية والقمع السياسي السوفييتي والاحتجاز غير الطوعي في المستشفيات النفسية التّابعة للمعارضين أو لجماعات دينية في جمهورية الصين الشعبية. إنّ الطبّ النّفسي أكثر من أيّ تخصّص طبّي آخر عرضة للاستغلال لأغراض سياسية حزبية.

يمكن أن نثير الشكوك ونقدّم ملاحظات عن سلوك شخص للتعبير عن مخاوفنا وحتّى التكهّن بشأن ما إذا كان المرض هو السبب الكامن وراء ذلك السلوك.

إلّا أنّ هذه الملاحظات، الصادرة عن أطباء – وحتّى أطباء نفسيّين مثلي – هي مجرّد رأي، لا يمكن الاعتماد عليها كدليل لتشخيص نهائي وإزالة رئيس من منصبه. لن يكون سلوك ترامب العلني كافياً لتحديد لياقته الذهنية لأنّ التّشخيص يتطلّب فحصاً معمّقاً وغير حزبي.

ولوضع نهاية لهذه المسألة، على ترامب أن يخضع إراديّاً إلى تقييم عصبي نفسي أو يجب إنشاء آليات تُلزمه – وجميع الرؤساء في المستقبل- الخضوع لمثل هذا التقييم.