IMLebanon

«التسونامي الإحتجاجي» يطرق أبواب روسيا

تشير التوقعات إلى أنّ الإقتصاد الروسي بدأ يدفع أثماناً باهظة جرّاء السياسات الإنفعالية تجاه الدول المجاورة، عبر إقحام روسيا نفسها في بقع التوتر في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ومع الشقيقة أوكرانيا وفي سوريا. فالمؤشرات تُظهر أنّ الإقتصاد يتراجع، والروبل يهوي بوتيرة جنونية، والأسهم تهبط بقوة، والأسعار ترتفع بحدّة. وبدأ نوع من التململ عبر بعض الإحتجاجات المحصورة في مناطق دون أخرى، لكنّ استمرار الوضع على حاله قد ينقل هذه الموجات من ضفة الى أخرى، وبسرعة قد لا تستطيع السلطة الحالية كبح جموحها.

تُظهر دراسة أعدّها مركز الحقوق الإجتماعية للعمال، بأنّ نسبة الإحتجاجات زادت على الأربعين في المئة في العام 2015 قياساً عن السنوات الماضية، فقد سجّل حصول 409 إحتجاجات نظّمها عمال ومستخدمون في القطاع العام، منها ما ارتدى طابع الوقف الموقت عن العمل لساعات، وأخرى استمرت لأيام.

وسجّل حصول 186 إحتجاجاً، وتخلل هذه الإحتجاجات التوقّف عن العمل بسبب سوء ظروف العمل، إضافة الى احتجاجات شملت أكثر من قطاع في شهري تشرين الأول والثاني طاوَلت قطاعات عدة، ويحاول المراقبون اليوم مناقشة الأسباب التي دفعت الى هذا الإرتفاع الملحوظ في مستوى الإضرابات أو الإحتجاجات.

ويشير هؤلاء إلى أنّ من بين الأسباب تردّي سوق النفط العالمي، ثانياً التكلفة الباهظة للأعمال العسكرية في سوريا وأوكرانيا والمشاركة مباشرة أو بالواسطة في بؤر توتّر أخرى، إضافة الى أسباب بنيوية في طبيعة الإقتصاد الروسي الذي يُعاني الترهّل والتراجُع والركود لأسباب تتعلّق بالقوانين ومرونتها في قطاع الإستثمار والأعمال والقطاع المصرفي وتحويل الأموال وسوء النظام الضريبي عموماً.

يُسجّل المراقبون أنّ التحركات الإعتراضية – الإحتجاجية قد تغيّرت شكلاً ومضموناً وباتت دائرتها تتسِع لتطاول قطاعات متعدّدة تجمعها أهداف مشتركة، فقد بلغت نسبة الإحتجاجات في القطاع الصناعي 40 في المئة، كما أنّ الإحتجاجات طاولت بالتحديد قطاع النقل والبناء والقطاعات المدعومة من الدولة.

كما حصلت إحتجاجات عفوية، منها مثلاً إحتجاج سائقي التاكسي للمطالبة برفع تسعيرة العدّاد، إضافة الى إضرابات العاملين في القطاع الطبي، وإضراب موظفي المطاعم والفنادق، وإحتجاج مالكي السيارات في المدن الكبرى الذين فُرضت عليهم ضرائب «كاراج» أمام منازلهم، وغيرها.

وإذا كان الإحباط في السابق من أنّ هذه الإحتجاجات قد تؤدي الى تحصيل الحقوق، فيجد العامل مخرجاً في تَرك العمل والإنتقال الى آخر، إلّا أنه وبسبب تفاقم الأزمة حِدّة، فإنّ إيجاد فرصة عمل في مكان آخر شبه مستحيل. وبالتالي، فإنّ الحفاظ على مكان العمل، وتصعيد الإحتجاج لنَيل المزيد من الحقوق يبقى أفضل السبل.

ويؤكد المراقبون لدينامية تطوّر التحركات الإعتراضية في روسيا، أنّ هذه التحركات لا تزال خجولة وتحت الرماد لأسباب شتى، أبرزها القوانين المطّاطة التي تعوق تحقيق الحقوق أو تحصيلها في محاكم العمل، ولذلك لوحظ أنّ هذه التحركات في مجملها بقيت حتى فترة قريبة معزولة ومحلية، واقتصرت على أقاليم ومناطق بعيدة من العاصمة ولكنها محورية.

وفي حال استمرّ الخط البياني لهذه التحركات في الإتجاه صعوداً، فقد تتوحّد هذه الحركة وستبدأ بتشكيل حالة مزعجة للسلطة الحالية، خصوصاً وأنّه لوحظ أنّ بعضها اتّسَم بدرجة عالية من التنظيم والتنسيق، وبدأت تُنتج قادة حراك.

فتحرّكات شهر أيار الماضي التي نظّمها الأساتذة ودكاترة الجامعات في إطار الحملة النقابية التي حملت عنوان «التعليم حق صحيح، لكن حق من يمارس مهنة التعليم أولوية»، فقد طاولت نحو عشرين منطقة. ولوحظ أنّ عاملي قطاعات أخرى سانَدوا المعلمين في تحرّكهم، من بينهم الأطباء الذين انضَووا تحت مجموعة سَمّت نفسها «الفعل»، كما أنّه دعماً لعمّال الموانئ في سانت بيترسبورغ، خرجت تظاهرات التأييد في أكثر من عشرين محافظة ومنطقة تتشابَه ظروفها مع هذه المدينة.

الى جانب هذه التحركات القطاعية، لوحظ أنّ المشاركين في الإحتجاجات جمَعتهم قضايا مشتركة، ففي «ألطاي»، وتحديداً في شهري تشرين الأول والثاني الماضي، سجّلت إعتصامات شارك فيها أطباء وأساتذة، بالإضافة الى موظفي وزارة الثقافة، أمّا سبب التحرك فهو مسعى سلطة هذه المقاطعة الى تخفيض موازانات هذه القطاعات.

في الأورال، مثلاً، خرج عمّال المناجم للمطالبة بزيادة الرواتب بمفعول رجعي، وانضمّ اليهم عمّال قطع الخشب وقطع أشجار الغابات، الذين طالبوا بوقف مسلسل صرف العمّال من هذا القطاع، وانضمّ اليهم الأطباء والعاملون في الحقل الطبي الذين كانوا قبل أسبوعين قد احتجّوا على تخفيض موازنات هذا القطاع.

وفي كانون الثاني الماضي في مدينة «ايفانوف» خرجت تظاهرة للإحتجاج على التأخير في دفع الرواتب، إنضمّ اليها المتقاعدون وأبطال الحرب الذين طالبوا بوَقف قضم الإمتيازات والمكتسبات الممنوحة منذ عقود.

وتشير التوقعات إلى أنّه واذا كانت التحركات لا تزال توصف بالمحدودة وتقتصر على المحلية منها، وبالتالي من السهولة وقفها وتجميدها بوسائل الترهيب، وأحياناً إهمالها واستيعابها بإجراءات فوقية.

إلّا أنّ تحرّك سائقي ومالكي الشاحنات الرافضين لقرار دفع ضريبة «بلاتون» على الشاحنات التي تعبر الأوتوسترادات الفدرالية الكبرى بحمولة تزيد عن الـ12 طناً، والتي بدأت في 15 تشرين الثاني الماضي، أظهرت تنظيماً وشمولية، وعجزت السلطات عن تقويضها أو منع تمدّدها، لأنّ تقويض التحركات ليس بالأمر السهل واليسير.

الأمر الأهم أنّ النقابات باتت تضع في صلب احتجاجاتها مطالب تتعلق بتغيير القوانين التي بإمكانها أن تسهّل إمكانية الحصول على تراخيص لتنظيم الإحتجاجات والإضرابات والتعبير عن الحقوق، الأمر الذي تَغضّ السلطات النظر عنه ولا تهتمّ له خوفاً من أنّ أحداً قد بدأ يهزّ السفينة. الى ذلك، من الواضح أنّ السلطات الفدرالية باتت تدرك تماماً أنّ التحركات لا تحصل من دون أن تنظّم، أو لا تخرج بعفوية فقط، وهذا يخيفها ويقلقها.

حتى الآن، تُحاول السلطات الإيحاء بأنّ هذه التحركات خرقاء وفارغة وسخيفة ولا تهتم لها، لكنّ الثابت أنّ معارضة قوية بدأت تزداد صلابة، وأنّ حصول مثل هذه التحركات قد يتحوّل الى كرة ثلج قد تكبر وستكون النتائج حينها كارثية.