IMLebanon

تركيا والنفق المظلم

منذ استنهاض الفكر القومي الإسلامي في تركيا على يدّ الرئيس رجب طيب أردوغان، وسياسات أنقرة في الخارج تحمل أكثر من رسالة على مختلف الصعد.

في خطاب لأردوغان بتاريخ 20 شباط 2016 أمام البرلمان التركي، ذكر : أنّ أرواح العرب المسلمين التي تهرق في المنطقة، ليست أقلّ قيمة من أرواح المواطنين في الغرب». فالتصريح هذا، يظهر مدى جدّية الإستدارة التي حاول أردوغان من خلالها تحويل المسار في السياسة العامة لتركيا نحو الدفاع عن مصالح المسلمين في المنطقة.

لطالما عمدت السياسات التركية الخارجية للتفتيش عن مكان لها بين القوى الفاعلة عالمياً وإقليمياً. فقد حاول الزعيم أتاتورك سابقًا بعد تولّيه للسلطة في تركيا، القضاء على ما تبقّى من الخلافة العثمانية من خلال وضع دستور جديد للبلاد، تمثّل بفرض المبادئ الديمقراطية – العلمانية.

عمل أتاتورك على تقديم نموذج جديد لتركيا في علاقاتها مع العالم الغربي خصوصًا، وإبعادها عن محيطها الطبيعي. فقد هدف من خلال هذا، إلى إدخال تركيا نادي الدول الغربية.

هذا النموذج الذي فشل في وضع تركيا ضمن لائحة دول الإتحاد الأوروبي، دفع أردوغان إلى الإستدارة نحو الإهتمام أكثر بالمصالح العربية – الإسلامية، علّها تضع تركيا في صفوف الدول اللاعبة إقليميًا.

شعارات الدفاع عن مصالح المسلمين أدخلت تركيا في نفق مظلم، ذات أفق مجهول. خصوصًا وإن دخول تركيا في صراعات المنطقة ومستقبلها الغامض، بات يشكل خطرًا متزايدًا على الكيان التركي وعلى سياساتها في المنطقة، من خلال:

– عدم رضوخ الدول الغربية للضغوطات التركية حول إقامة منطقة عازلة جنوب سوريا، علّها تبعد الخطر الداعشي عنها.

– تهديدات الجماعات الكردية المطلقة على نفسها إسم «صقور حرية كردستان» وتبنّيها تفجيرات أنقرة، وتهديدها علنًا لجميع السياح من عدم زيارة تركيا.

– اللاعب الروسي الذي شكّل حالة قلق للدور التركي في المنطقة، من خلال سلسلة أعماله العسكرية في سوريا، والذي لم يتوانَ في استعمال العنف العسكري إذا تكررت عملية إسقاط الطائرة الروسية من قبل الطيران التركي.

وذلك على رغم التطمينات الروسية التي أطلقها السيناتور الروسي فيكتور أوزويروف الذي يترأس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الأمن الروسي، حيث استبعد وقوع تصادم مسلح بين الجيشين الروسي والتركي.

– صعود النفوذ الإيراني في المنطقة بعد نجاح الإتفاق النووي مع الدول الخمس زائداً واحداً، الأمر الذي دعّم قوة نفوذها في منطقة الشرق أوسط.

إنّ التصعيد الكلامي للسياسة التركية على لسان كثيرين من زعمائها وفي أكثر من مناسبة لا يتعدّى التهويل الكلامي.

فالدعوة المتكررة للتدخل العسكري في سوريا عبر حشد الدول الصديقة وتنفيذ عمليات عسكرية ـ وتنفيذ جيشها لعدد من الضربات الجوية والمدفعية على الأكراد داخل الأراضي السورية، لم يأتِ ثماره المفيدة في تحقيق أحلامها.

كذلك التلويح بقطع العلاقات مع الغرب، وتحديدًا الولايات المتحدة الأميركية لتحديد موقفها من المجموعات الكردية. كلّها مواقف علنية تخبّئ خلفها نية تركيا غير الرسمية التي تظهر عدم قدرتها على خوض حروب مع الأطراف المتنازعة في المنطقة.

فلقد نفى وزير الدفاع التركي عصمت يلماز أن تكون أنقرة قد أرسلت قوات إلى سوريا أو أنها تنوي إرسالها في المستقبل.

أخيرًا، تدرك الإدارة التركية جيدّاً، أن العودة إلى بناء السلطنة العثمانية ليس بالأمر السهل، بل هو الحلم المستحيل بحدّ ذاته.

فالمنطقة العربية التي تمرّ بالأحداث المعقّدة أسقطت مفهوم الدولة الإمبراطورية. إذ جعل النظام العالمي مصالح القوى المتصارعة متداخلة في ما بينها، الأمر الذي سرّع من وتيرة التقاتل.

لذلك، فما هو واضح أنّ تركيا في دخولها كطرف أساسي في المنطقة، سيضعها ضمن مصير غامض ورؤية مستقبلية متوترة، خصوصًا وأنها وضعت نفسها أمام مسارين:

– الأول: الدخول في الحرب المدّمرة التي تدور في حلقة مغلقة لن تجرّ إلّا الويلات عليها وعلى المنطقة ككلّ.

– الثاني: الإنسحاب من ساحات القتال، وهذا مستبعد، لأنّه سيجعل من خسارتها في هذا الموقف أكثر إيلامًا من الخسارة في حال خوضها الحرب مباشرة.

هذان المساران سيضعان المصالح التركية في خطر التهديد على أكثر من صعيد، وفي دائرة الزوال لدورها ونفوذها. لذلك، سيكون للموقفين الفرنسي والأميركي في الموافقة على إقامة منطقة عازلة في سوريا، دعمًا إضافيًا وأساسيًا لإعادة تعويم السياسات التركية، التي هي بين قاب قوسين وأدنى من الإنهيار في المنطقة.